محدود الغايات بيِّن المثل، فعاش ولم يمت. أما السبب في أن كل إنتاجنا الأدبي إنما هو للفناء فراجع إلى أنه أدب مسروق أو على الأقل أدب مسلوب من آداب الأمم الأخرى وليس فيه من أثر المصرية إلا أنه مكتوب بلغة عربية، ولكن بأساليب أصبحت بدورها أضعف من أن تحسن أداء رسالة الأدب
ولقد سمعت بعض المشتغلين بالأدب يقولون إن نقل الآداب الأوربية إنما هو بمثابة دم جديد يغذي أدبنا بالحياة، ويمده بأسباب البقاء. غير أن هذا الرأي على ما في ظاهره من حق، فإنه أشبه بحق يراد به باطل. ووجه الباطل فيه أنهم يفرضون أن لنا أدباً يغذيه الأدب الأوربي، وذلك ما لم يقم عليه أقل دليل حتى الآن. فأين الشعر المصري الحقيق بأن يدعي شعراً مصرياً؟ وأين القصة المصرية التي تصور حياة مصر تصويراً صحيحاً مقتطعاً من الطبع المصري ومن الثقافة المصرية الصحيحة؟ بل أين الأديب الذي عكف على درس العقلية المصرية وقصر جهده على تفهم الروح التي تنطوي عليها ضلوع ذلك الفلاح الساذج الذي هو لغز الألغاز وسر الأسرار؟ أين الأديب الذي أحاط بتاريخ مصر منذ أبعد عصورها وكون من ذلك التاريخ صوراً تظهر معكوسة في أدبه شعراً أو نثرا، وأين الأدب الذي يصور ما نزل بنا من نوائب الدهر وبلايا الأيام، وما حاق بنا من مظالم يصرخ بها تاريخنا، بل أين الأدب الذي يرينا كيف ابتلع الفلاح الساذج الهادئ الطبع اللين الجانب بما فيه من قوة المقاومة السلبية، الفرس والروم والرومان والعرب والمماليك والأتراك، ولا يزال مستعدا لابتلاع خمسين قيصرية من أمثال هذه القيصريات العظام وهو قابع في عقر حقله الصغير وفي كسر بيته الطيني، تاركا دورات الحظ تدور بالسعد حيناً وبالنحس حينا آخر، وما يهمه في الحياة من شيء إلا أن يضحك ساخراً من الأمم والأقدار
على أن الإطناب في مثل هذه الأشياء تحصيل حاصل، والاستطراد في ذكر الشواهد عبث، لأننا نشعر شعوراً كاملا بأن الأدب المصري اسم على غير مسمى، وإن شئت فقل إنه فرض لا حقيقة له. وإنما أقصد بالأدب المصري الأدب المقتطع من حياتنا ومن أنفسنا ومن أخيلتنا. الأدب الذي إذا قرأته تبينت فيه مصر وأرض مصر وسماء مصر وتاريخ مصر، وعلى الجملة كل ما توحي به مصر من الموحيات الدفينة في نفوسنا، الرسيسة في طبعنا، الحائرة في أرواحنا