للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بأكبر الرعاية، وأقبل تقي الدين على درسه بالمدرسة المنصورية وأكثر من صحبته والملازمة له والأخذ عنه بتلك الحافظة المدهشة التي يقولون عنها: إنه كان ما يكاد يسمع شيئاً حتى يحفظه، ولا يحفظ شيئاً فينساه وإن طال عليه الأمد وبعد به العهد، حتى صار آية في فن الحديث ومعرفة الرجال والجرح والتعديل، ولكنه لم يدرك شرف الدين إلا وهو شيخ هم كبير في عشرة التسعين فكان شديد الحرص على صحبته وملازمته حتى لا يكاد يتركه، ثم لم يلبث شرف الدين أن مات فجأة عقب مفارقته له في ١٥ ذي القعدة سنة ٧٠٥، ولم يكن قد أشبع رغبته من فن الحديث بعد، فلازم بعده كبير أهل الفن في عصره، الحافظ سعد الدين الحارثي

وكان بها في علوم العربية أبو حيان الأندلسي وكان عليه طابع المدرسة الأندلسية من الحفظ والتوسع في رواية الشعر واللغة والقراءات، والتبحر في معرفة قواعد النحو ومذاهبه، وأثر من المدرسة المصرية من النظر والمقابلة والمراجعة وروح النقد والتحليل، فتتلمذ تقي الدين له، وقرأ عليه كثيراً من كتب النحو مثل كتاب سيبويه وكتاب ابن عصفور وغيرهما، وكان أبو حيان يمرن تلاميذه على صناعة النظم، فيقترح عليهم عروضاً خاصاً وبحراً معيناً ينظمون عليه، ولتقي الدين قصيدة على حرف الزاي جاءت من هذا السبيل، ولعلها خير ما صنع من الشعر، فلم يكن له في هذا الباب سليقة، وقد غلب عليه المذهب الفكري النقدي، فجاء شعره نازلا ركيكا، وسنعرض شيئاً منه في هذا البحث متى عرضت المناسبة

ثم لا ننسى من شيوخه الذين تركوا فيه أثرا بليغاً، وإن لم يكن من الناحية العلمية المحضة، تاج الدين بن عطاء الله السكندري، وكان من حسن حظه أنه ترك الإسكندرية؛ واستوطن القاهرة، وبقي بها يعظ الناس ويرشدهم، ويحدث تلاميذه ويبصرهم إلى أن مات سنة ٧٠٩ وكان إمام أهل التصوف، جميل السياق، صافي الأسلوب، ساحر العبارة، فنال في الناس مكانة عالية، ومال إليه تقي الدين وصحبه، وانعقد بينهما حب قوي وعلاقة مؤكدة. وظل أثر الروح الصوفية التي كانت على أخلص ما يكون في ابن عطاء الله ظاهرا قوياً في تلميذه تقي الدين في شتى أدوار حياته، وكثير من أقواله وتصرفاته

وكان من شيوخه كذلك الشيخ تقي الدين ابن الصائغ في القراءات، والشيخ شرف الدين

<<  <  ج:
ص:  >  >>