أما ربات الذعر فتأخذهن الحنقة، وتضطرم نفوسهن بالغضب وتنقلب كل منهن بركانا يقذف بالحمم؛ ويطفقن يتوعدن ويزمجرن ويتغنين نشيداً من أناشيد الجحيم جرسه رعد، ونغمه شواظ من نحاس يتردد في أفواههن، ويتحشرج في حلوقهن، ثم ينذرن ألا يذرن على أرض مينرفا مسبحاً باسمها ولا دياراً؛ وينهين نشيدهن بالبكاء على مجدهن الضائع، والرثاء لحقهن المغصوب. فتهتف مينرفا بهن:
- (على رسلكن يا ربات! فيم هذا الغضب، وهذه الضجة لِمَهْ؟! لقد رضيتن بي حكما فيما اختلفتن فيه، ولقد أخذ العدل مجراه، وسارت القضية بكل أمانة وكل إحسان. . . ولقد كانت براءة أورست ناصعة بحيث يكون من الظلم لو أننا أخذناه بما أردتن أخذه به. . . فلنفئ جميعاً إلى الحق، فهو دائما أبلج. . . . . . علام هذا النذير يا ربات؟ ما لأثينا الخالدة الآمنة النائمة في رعايتي، القارة في كنفي، وما لهذا الضغن الذي يغلي في قلوبكن؟! قمين بكن ألا تكن حربا على هذا الشعب الذي يسبح باسمي ويولي وجه شطر معبدي، وأنا أضمن لكن محبته، وأضمن لكن إجلاله، وأضمن لكن أن يقيم الهياكل باسمكن، وُيطنّب المعابد لكن. . .
- ١٢ -
ولكن ربات العذاب تغلو في النذير غلوا لا يليق بالآلهة، وتعود إلى ترديد النشيد الممقوت، نشيد جهنم الذي كله قصف وكله رعد، فترى مينرفا أن تأخذهن هذه المرة بالحزم، إشفاقا منها على أثينا الخالدة أن يصيبها مكر ربات العذاب
- (إذن. . . فأنتن تعرفن أنني وحدي أملك مفاتح زيوس. . . أبي. . . سيد الأولمب! أجل. . . أنا صاحبتها. . . وهي مسخرة لي وحدي، من دون الآلهة أجمعين. . . مفاتح زيوس، مفاتح نقمته. . . نقمته. . . هل سمعتن؟! المفاتح التي إن أردت حركتها فأرسلت عليكن صواعق السماء وشهبها الرواصد! وهنالك، وهنالك فقط، تندمن على ما فرطتن في حقي، وهنالك تلقين السَّلَمَ راغمات يا ربات، وهنالك أيضاً تسلم أثينا من شروركن؛ وتسلم جناتها من قحطكن، وقصورها من خرابكن
هل هذا خير؟ أم خير أن تقاسمنني محبة هذا الشعب البريء فيسبح لكن ويقدم الضحايا