للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكبرى، واستقلت بعض ولايات البلقان، وتكونت الإمبراطورية الألمانية، بعد أن اصطدمت القومية الألمانية بالقومية الفرنسية، وجر هذا الاصطدام إلى حروب دامية وأهوال

على أن تقدم الصناعة بنوع خاص، لاسيما في القرن التاسع عشر، كان له أثران خطيران غير تقوية روح الوطنية والنزعة الاستعمارية. (الأثر الأول) تقويته روح الديمقراطية، التي بدأ غرسها الثورة الإنجليزية، وأنبتتها الثورتان الأمريكية والفرنسية. وللديمقراطية حديث طويل، يصح أن يكون موضوعاً مستقلاً لسلسلة من المحاضرات. (الأثر الثاني) غرسه روح الاشتراكية، وهنا نرى عجباً. فإن الصناعة، التي قوت رابطة الوطنية، أوجدت إلى جانبها رابطة أخرى مناقضة لها كل المناقضة، هي رابطة الطبقات. إذ قويت طبقة العمال بفضل تقدم الصناعة الكبير، وأخذت تشعر بقوتها، وتجمعت كتلاً كتلاً، وسرى روح التفاهم ما بين العمال من جميع القوميات، وصاح فيهم ماركس صيحته المشهورة: (أيها العمال من جميع أنحاء العالم، هلموا إلى رفع لواء الاتحاد)، وعارضت روح الطبقات روح الوطنية، وبدأت الاشتراكية تدخل في دور عملي، ولم يعد بد للأمم الأوربية من أن تواجه هذه الحركة الجديدة

وقبل أن ننتقل من الوطنية إلى الاشتراكية، نقف قليلاً، لنعرف معنى الوطنية التي أكثرنا من الإشارة إليها، فقد تحاشينا تعريفها حتى الآن، إذ ليس من السهل تحديد هذا المعنى الدقيق، فالوطنية جامعة تقوم على روابط طبيعية وأخرى صناعية، وأول الروابط الطبيعية هو وحدة الجنس والدم، ويلي هذا وحدة الإقليم الجغرافي. ثم وحدة اللغة، ويترتب على هذه الوحدات المختلفة وحدة لتاريخ ووحدة التقاليد، هذه الروابط الطبيعية التي تجمع ما بين أبناء شعب واحد، وتجعل من هذا الشعب وطناً يشعر بذاته. فإذا اقترنت بهذه الروابط الطبيعية رابطة أخرى صناعية، هي وحدة النظام السياسي، فقد استكملت الوطنية ذاتيتها، واستجمعت مقوماتها ومشخصاتها، وإذا انظم إلى كل هذه الروابط وحدة الدين، فقد بلغت الوطنية الأوج من عنفوانها وقوتها. على أن اجتماع كل هذه الروابط ليس ضرورياً لتكوين الوطن، فوجود بعضها يكفي. والمهم أن يتوحد المكان الجغرافي والنظام السياسي، ويتبع ذلك وحدة التاريخ ووحدة التقاليد. فقد تضم رقعة جغرافية قوماً مختلفي الجنس، ولكن يتحد

<<  <  ج:
ص:  >  >>