المخادع، وبينا هو يبثها جواه، إذ فاجأهما مالبيرو فانهال عليه ضرباً بعصاه، وطرده من منزله شر طرد، وفقد كازانوفا بذلك أكبر عضد، وأقصى عن ذلك المجتمع الساطع الذي كان يغشاه؛ وتولته على أثر ذلك نوبة من اليأس والكمد؛ وكانت جدته قد توفيت قبل ذلك بقليل، فأخذ يتصرف في مقتنيات المنزل ويبددها، واضطر الوصي على أخوته إلى التدخل، ووصل الأمر إلى القضاء فقبض عليه وأودع السجن؛ وفقد أثناء ذلك منصبه الديني وأخرج من حضيرة الكنيسة؛ ولما أطلق سراحه بعد ذلك بقليل، شعر أن البندقية تضيق به وبمشاريعه وأنه لم يبق له فيها أمل أو مقام
وكانت أمه قد كتبت إليه توصيه بالسفر إلى أسقف كالابريا فهو صديق لها وفي وسعه أن يعاونه وأن يوصي به؛ فعول عندئذ على السفر إلى رومه، ولكن الأسقف كان قد غادرها إلى مقر وظيفته في الجنوب؛ وكانت نقوده القليلة قد نفدت، وساءت حاله، واضطر أن يلتمس العيش بأخس الوسائل؛ وتعرف أثناء الطريق بتاجر يوناني يتاجر في الزئبق، واتفق معه على طريقة لغش الزئبق وتحصيل ثمنه مضاعفاً، واستطاع بهذه الوسيلة أن يكسب قدراً من المال؛ ووصل أخيراً إلى مارتيرانو مقر الأسقف، ولكنه شعر بآماله تتحطم حينما رأى حالة الأسقف الزرية من منزل قفر متهدم، وبؤس ظاهر، وعزلة قاتلة؛ فارتد أدراجه إلى نابولي ومعه بقية من المال؛ وهنالك بسم له الحظ، وقضى بضعة أيام سعيدة، تعرف خلالها بامرأة حسناء تدعى لوكريزيا وتوثقت علائقه معها بسرعة، وكانت في الواقع أول صاحبة حقيقية خضعت لسلطان هواه
ثم نراه بعد ذلك في رومه يطرق الأبواب ويحاول أن يشق طريقه؛ وقد كان عندئذ موفقاً إذ استطاع أن يلتحق بوظيفة في حاشية الكردينال اكوافيفا؛ وقضى حيناً في رومه يستزيد من الدرس وينعم بصحبة لوكريزيا، ويهيئ لنفسه جواً من الرعاية والعطف بذكائه وذلاقته ورقة شمائله
على أن هذه الحياة الهادئة المستقرة لم تكن لتروق فتى مضطرم الجوانح مثل كازانوفا، فقد كانت نفسه الوثابة الظمأى إلى المغامرة تحمله إلى آفاق أخرى؛ وكان شبح المرأة يثيره ويلهبه أينما وجد؛ وسرعان ما لفت الأنظار بفضائحه ودسائسه الغرامية وتفاقم الأمر حينما أتهم بإغراء سيدة تمت إلى بعض الأحبار بصلات وثيقة؛ ففقد وظيفته ومركزه مرة أخرى،