للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك الصدع المتنائي الذي نلحظه قائما بين الناحيتين

ولقد يخيل إلى أن ما مضينا فيه من بحث هذه الناحية كاف للبيان عما نقصده من ضرورة الاتصال بثقافتنا التقليدية من الوجهة العقلية. أما الوجهة الفنية المعاشية، وهي الناحية التي لها الأثر الأكبر في علاج الحالات الاجتماعية التي قامت حفافينا من الناحية الاقتصادية، فتلك ما سوف أصور كيفية الاتصال بها تصوراً عملياً لأن ذلك هو الغرض الأول من بحثنا هذا

إذا كنا ما قلنا صحيحاً من أن البطالة في مصر والتعليم أمران متصلان أشد الاتصال، باعتبار أن أحدهما مرض والثاني علاج، فالواجب يقضي علينا بعد أن أظهرنا أوجه الاتصال أن نبين عن الطريق العملي الذي يجعل العلاج ناجعاً في القضاء على الداء. ولما كانت ثقافتنا التقليدية من الوجهة المعاشية هي الزراعة تحتم علينا بحكم الضرورة أن ننقل درجتي التعليم الأوليين، أي الابتدائي والثانوي، وهما الدرجتان التكوينيتان في مراحل التعليم، من المدن إلى القرى، وأن نقيمهما على سياسة تختلف اختلافاً تاماً عن السياسة التي يجريان عليها الآن

تجري سياسة التعليم الآن في هاتين المرحلتين على أساس نظري بعيد عن أن يجعل لنا أي اتصال بثقافتنا التقليدية، من وجهتيها العقلية والمعاشية. وإني لا أكون مغالياً إذا قلت إن هذه السياسة لا تصلنا بثقافة أوربا أيضاً بحيث تجعلنا قادرين على فهم ما ننقل منها فهماً صحيحاً مفيداً. وما قولك في شاب يخرج من التعليم الثانوي جاهلاً بلغته العربية وأصولها وآدابها غير متصل بآداب دينه، غير عارف بشيء من تاريخ بلاده، وبالأحرى من تاريخ العرب أو تاريخ مصر، عاجز عن التعبير تعبيراً صحيحاً بأي من اللغتين الأوربيتين اللتين يتلقاهما في مراحل ذلك التعليم؟ أضف إلى ذلك أنه بجانب هذا يخرج من التعليم الثانوي غير متصل بشيء من ثقافة بلاده التقليدية من الوجهة المعاشية، غير متصل بطبيعة الأرض التي أنشأته أو بطرق استغلالها مشحون الذهن بنظريات وأوهام يتعذر معها أن يعايش الفلاح وأن يدرك شيئاً من سر حياته وتقاليده وخطراته ونفسيته. فكأننا بهذا التعليم نخلق من حوله جواً مصطنعا وبيئة عقلية غريبة عن طبعه؛ فيصبح بذلك أداة عاطلة في جسم الاجتماع وبزرة حية للتبرم من الحالات القائمة من حوله في مرباه، بل

<<  <  ج:
ص:  >  >>