ومنشأ للقلق ومرتعا لغرس الأفكار المتطرفة الخاطئة؛ وعلى الجملة يكون موضعا خصبا لغرس بذور الشر والفساد، والعمل على قلب النظم الاجتماعية طمعاً في الحصول على نظم تلائم كفاياته وتتفق ومؤهلاته التي أهله لها التعليم. ذلك بأن كل عقلية لها تكوين خاص تنشد من طريقه دائماً البيئة التي ترضيها، وعجز المتعلم العاطل عن الإنتاج إنما يحمله بمقتضى موحيات عقله الباطن على أن يعمل على تكوين البيئة التي تلائمه متخذاً من النظم الاجتماعية التي نشأ فيها مادة يجرب فيها مقدار ما في نفسه من قوة التحليل، لا من قوة التشييد، على خلق البيئة التي ترضيه، والنظم التي توائم عقليته وكفاياته
إن الخطوة الأولى التي ندعو إليها وهي نقل درجتي التعليم الأولين من المدن إلى القرى، لخطوة ضرورية في علاج سياسة التعليم، وهي الخطوة الأساسية في وصل التعليم بثقافة البلاد التقليدية من الوجهة المعاشية. أما الخطوة الثانية فتنحصر في إقامة مدارس الحقول، فتشيد المدرسة على أرض فسيحة تكفي لأن تكون ميداناً يتعلم فيه الطلاب طرق الزراعة العلمية على القواعد الحديثة، ويجب مع هذا أن تلغى الشهادة الابتدائية ويكتفى بشهادة التعليم الثانوي، وأن يبدأ الطالب حياته التعليمية من الثامنة، ويفرغ من تعليمه الثانوي بعد عشرين سنة، فيخرج من المدرسة وله من العمر ثماني عشرة سنة أو عشرون سنة. فإذا أراد أن يتخصص بعد ذلك في التعليم العالي فله ذلك ولكن بعد أن يكون قد اتصل بثقافة بلاده التقليدية، وقامت معلوماته على أساس عملي رشيد، يكون إليه مرد رزقه إذا تخصص وعجز عن كسب رزقه الحلال.
هذا هيكل من الرأي يحتاج إلى شرح وجيز. فأننا لا نعني أن تعليم الطلاب في تلك المدارس الزراعة العملية يجب ألا يصل الطالب بالناحية النظرية، وإنما نعني أن يكون أساس التعليم فيها الزراعة العملية وما يتصل بها من العلوم، وبجانب ذلك تعليم نظري قائم في أول الأمر على الاتصال بثقافة المصريين التقليدية من الوجهة العقلية، مع العناية بأمر اللغات الأوربية عناية كبرى حتى يتيسر لنا الاتصال بثقافة العصر اتصالاً وثيقاً صحيحاً
أضف إلى ذلك أن الطالب ينبغي أن يلقن كل ما يتصل بالإنتاج الصناعي من الوجهة الزراعية، فيخرج ملماً بطائفة من الصناعات المتصلة بمحصولات بلاده الزراعية عارفاً بسرها ووجهة الانتفاع بها. وإني لن أغلي إذا قلت إن كثيراً من الذين ينجحون من أهل