الدين بن النقيب، ودعوا له ولجوا في الدعوة. أما السبكي - وإليه حق التعيين - فلم يغلبه الهوى على الحق، ولم تأخذه في سبيل العلم عصبية، ولم يبال بصياح الصائحين، فعين الذهبي في ذلك المنصب. وهنا اشتدت ثورة القوم وعلا صخبهم، وهو مصر على رأيه حتى لم يبق بد من حضور نائب الشام وكان في ذلك الحين (الطنيغا)، فلم يستطع التوفيق. وأخيراً رأى شيخ الحنفية أن تحل الأزمة بأن يتولى المشيخة السبكي نفسه، ووافق الأمير على هذا الرأي وهو يقول:(أعلم الناس بهذا العلم الذهبي وقاضي القضاة، وقاضي القضاة أشعري قطعا، وقطع الشك باليقين أولى.) وانتهى الأمر على ذلك بعد أن كاد يفضي إلى فتنة لا يعرف مداها
فموقف السبكي هذا من شيعة ابن تيمية وإغضائه عن العصبية المذهبية هذا الإغضاء وعدم مسايرته الأشاعرة في كل ما يشتهون أفسح المجال أمام المنخرصين، ومكن الحقد من أن يجد سبيله معبدا بين جمهور الناس وفي مجالس الخاصة، ولاسيما في مجلس الأمير نائب دمشق، ففسدت الصلات بين الشيخ وبين أغلب الذين تولوا نيابة الشام، وكثيراً ما قامت الحرب بينه وبينهم، وما كان يطفئها إلا ما كان ولاة ذلك العهد معرضين له من العزل الوشيك أو القتل المفاجئ
على أن السبب الأول في توتر العلائق بينه وبين النواب يرجع - في حقيقة الأمر - إلى صلابته في الحق، وصراحته في تقريره، وتقديره لقدر منصبه، واعتباره إياه حرماً لا ينبغي لأحد أن يتطاول إليه أو ينال منه؛ فهو الحفيظ على الحق الذي جاء الشرع ببيانه؛ فكل تفريط فيه، أو تعريض له، أو ملاينة في تنفيذه فإنما مردها إلى هذا الشرع الذي يقدسه، وحاشاه! وكان الولاة من ناحية أخرى، قوماً عجما، أدعياء في الدين، لا يتعدى إيمانهم مظهرهم، ولا يعرفون الحق إلا أمراً ينفذ، وشهوة تقضى، وعتواً واستكباراً في الأرض، إلا قليلاً منهم. ثم كان يزيد اضطراماً ما كان يلقيه فيها من السعايات والنمائم من كانوا يداخلونهم من أهل الشام، ومنهم بعض العلماء مثل شهاب الدين العمري الذي كان يقع فيه في مجلس الأمير ايدغمش ومما يدل على دسائس القوم عند الولاة أن أحد هؤلاء الأمراء، واسمه فيما يورده صاحب الطبقات (طغره تمر) كان فيما يقول من أصحب الناس له في مصر، فلما جاء إلى الشام غيّره عليه الشاميون، وأعانهم عليه امتناعه من امتثال