زمانه، ولكني أقول إني بعد بضعة أيام من شهود هذه (الزفة) وقعت على مقال في مجلة إنجليزية لكاتب إنجليزي أو ألماني - لا أذكر، فإن العهد بها بعيد، وقد فقدتها على الرغم من حرصي علبيها وتحفظي بها - وفي هذا المقال يذهب الكاتب - والأرجح أنه ألماني - إلى أن الحسين بن علي رضي الله عنهما، تعمد أن يضحي بنفسه؛ وأذكر أنه قال إن الحسين لم يكن أبله، فقد حاول أمراً عرف مبلغ استحالته، ومع ذلك أصر على الزحف، وليس معه إلا النساء والأطفال وحفنة صغيرة من الرجال، مضى بهم وبنفسه معهم إلى بوار محقق
وقد دارت في نفسي هذه المقالة، فذهبت بها إلى صديقنا الفارسي، فقد كان عالما واسع الاطلاع، غزيرة المعرفة، وترجمتها له، وسألته عن رأيه فيها، فلم يتردد في الموافقة عليها. وقد فكرت بعد ذلك في أمر الحسين وفي مغامرته العجيبة، فلم يزدني ذلك إلا اقتناعاً برأي هذا المستشرق الألماني، وبغير ذلك لا أدري كيف يستطيع المرء أن يفسر إقدامه على طلب الخلافة وسعيه لانتزاعها من بني أمية، فقد عرض نفسه على كثير من القبائل فما وجد منها إلا إعراضاً وانصرافاً. أو على الأقل فتور شديدا عن نصرته، ومن حقه أن يثبط، وليس من شأنه أن يشجع؛ ولم يكن حوله من الرجال من يطمع أن يديل بهم من بني أمية، وحمل معه النساء حتى لكن أكثر من الرجال، ولم تصده عن السير خيبة مساعيه عند القبائل، ووضوح خذلانها له؛ والتقى برجال بني أمية فعرضوا عليه ما لا يمكن أن يحلم بالفوز به بمجهوده، فأباه وأصر على المغامرة، فوقعت الواقعة، وكانت هذه المجزرة الخالدة التي لا يزال أثرها باقياً إلى اليوم
ولم يكن الحسين مجنوناً، ولا طياشاً، ولا عرف عنه ما يحمل على سوء الظن بعقله ونظره، فكيف هم بأمر كان من استحالته على يقين جازم؟؟ وهبه كان مخدوعا في أول الأمر فقد رأىّ من الإعراض عنه والخذلان له، والزهد في الانتفاض على بني أمية، والخوف من بطشهم وانتقامهم، ما يدفع إلى اليأس ويغري بالقعود؛ ولا يمكن أن يقال إنه كان يرجو فلاحا، فما كان معه في زحفه إلا النساء وإلا عشرات لا تغني، ولا يعقل أن تصبر على قتال دولة ذات بأس وصولة، وما رأى أحدا استجاب لدعوته، أو أبدى استعدادا للحاق به، حتى يقال إنه كان ينتظر نجدة ومددا، وهؤلاء النسوة من آل بيته لم أصر على