حملهن معه وزحفه بهن، وقد كان خليقاً بعد أن رأى كيف خذلته القبائل أن يشفق عليهن ويردهن ليقيهن أن يصرن إلى ما هو صائر إليه لا محالة، ألا يعذر من يذهب إلى أن استصحابه لهن إلى المذبحة، إنما كان مقصودا به أن يحف المصرع الذي مضى إليه عامدا بكل عوامل الاستفزاز وعناصر الإيلام المثير؟؟ لقد ألقى بهن معه على القتل أو الإذلال والتحقير والهوان، وهن آل بيت الرسول صاحب هذا الدين، فلولا أنه تعمد أن يضحي بهن معه ليقيم القيامة على بني أمية، لكان أيسر التفكير كافياً لحمله على إقصائهن عما سعى إليه ووطن نفسه عليه، ولكنه نظر فرأى أن استرداد الدولة من بني أمية مطلب لا سبيل إليه ولا مطمع فيه، فيئس من إمكان ذلك بالوسائل المألوفة، فقال أنسف الدولة الأموية من قواعدها، وأكون أنا اللغم الذي ينفجر تحتها، فيزلزلها ويدك بنيانها، ويطير أنقاضها، ويجعل عاليها سافلها؛ ولابد لذلك من أن تكون التضحية تامة، وعلى أبشع صورة من الصور، وأرغم بني أمية على أن يقتلوني أقبح القتل، وأن يمثلوا وينكلوا بي وبأهلي أشنع التمثيل والتنكيل؛ فيستفظع المسلمون منهم ذلك - على قرب العهد بالرسول - وتضطرم نفوسهم بالموجدة والنقمة عليهم، وينقلب العالم الإسلامي بركاناً يظل يفور ويغلي في جوفه الحقد والبغض، ثم ينفجر، فلا يبق ولا يذر؛ وإني لميت ميت، طال الأجل أم قصر، ولخير من أن أموت حتف أنفي، أن أجعل ميتتي تكلف بني أمية ملكهم كله ودولتهم أجمعها؛ ولقد خرج الأمر من أيدينا وصرنا رعية لبني أمية، فإذا رضينا وقنعنا من الحياة بالطعام والشراب، وقعدنا ننتظر الأجل في أوانه، ثبتت الدولة ورسخت قواعدها. وإني لأعلم أنه ليس لي حول ولا قوة، ولكن في وسعي أن أملأ نفوس المسلمين قيحاً وصديدا من كره بني أمية، إذا بذلت دمي، وما دمي؟ وهو سيجمد في عروقي يوما ما، فأولى أن يخضب الأرض فلا تلبث أن تنقلب جحيما عليهم؛ وما خير أن أكون سبط الرسول إذا أنا لم أرج الدنيا بذلك؟ وإن الأمر لراجع إلينا لا محالة إذا أنا جعلت من نفسي ومن أهلي ضحايا لبني أمية، ويجب أن يكون قتلنا استشهادا مروعا لتكون الدية هذه الدولة كلها
لهذا أصر على المغامرة، وهو على يقين من نهايتها، وأعرض عن ذكر العواقب التي كان يعرفها معرفتها، ولم يكترث بخذلان من دعاهم إلى نصرته، بل اغتبط بذلك، وحمل أهل بيته معه. ليحيق بهن كل مكروه من الأذى والهوان، وليكون ما يصيبهن أبلغ في إشعار