متينة، وترجع الأمور كلها إلى رأي واحد ثابت لا يضطرب، ويتوطد سلطان يخضع له الجميع ويذعنون لإرادته. فالفاشية، كما قال الكتاب، تبدأ بتغليب الجماعة على الفرد، ولكن الجماعة تندمج في الأمة، والأمة تندمج في الدولة، والدولة تندمج في الحكومة، والحكومة تندمج في الزعيم
ومن هنا ندرك أن الفاشية هي من اشد ضروب الدكتاتوريات تركيزاً للسلطة، وأبعدها عن النظام الديمقراطي، فالديمقراطية تقوم على سلطان الأمة، وعلى الحرية والمساواة ما بين الأفراد. أما الفاشية فتنكر سلطان الأمة، وتقيد من الحرية، ولا تعترف بالمساواة ما بين الأفراد. ولا يعبأ موسوليني، وهو قابض على ناصية الحكم، أوثق به الشعب الإيطالي أم لم يثق، فهو لا يستند إلى هذه الثقة، ولا يستمد سلطانه من سلطان الأمة، وإنما يستمده من كفايته للحكم وقدرته على تحقيق المصلحة العامة. وسواء عليه لو أن الاثني عشر مليوناً من الناخبين أعطوه أصواتهم أم لم يعطوه شيئاً. وقد صرح السكرتير العام للحزب الفاشي بهذه الحقيقة في عبارة جارحة، إذ يقول:(لو أن الاثني عشر مليوناً الذين قالوا نعم تحولوا إلى أربعة وعشرين مليوناً قالوا لا، لما غير هذا من الأمر شيئاً، ولبقي موسوليني في قصر فينيسا، ولبقيت ثورة القمصان سائرة في طريقها. . . ولو قدر أن يصوت أربعة وعشرون مليوناً ضد الفاشية، لكان هذا معناه أن جمهور الناخبين قد أصيبوا بالجنون، وأن البلاد الإيطالية قد أصبحت مستشفى لهؤلاء المجانين، ولكان هذا سبباً أدعى لأن يبقى العقلاء في أماكنهم)
وتختلف الديمقراطية عن الفاشية أيضاً في أنها تركز السلطان في الأمة، وتقيم الدولة على سلطان الأمة؛ فالأمة هي التي تنشئ الدولة. أما الفاشية فتذهب إلى العكس من ذلك. وعندها أن الدولة هي التي تنشئ الأمة، وأن الأمة ليس لها أي سلطان، بل ليس لها وجود قانوني، والسلطان كله للدولة. وقد كتب موسوليني في هذا المعنى في دائرة المعارف الكبرى الإيطالية التي أمر بوضعها، يقول:(ليست الأمة هي التي تخلق الدولة، بل الدولة هي التي تخلق الأمة، وتعطي للشعب الذي يشعر بوحدته الأدبية، إرادة فوجوداً قانونياً). وتقضي المادة الأولى من دستور العمل الفاشي بأن الأمة، وهي وحدة أدبية وسياسية واقتصادية، تتحقق في الدولة