هائل، وتريد أن تسبقهم إلى تخليص بني الإنسان من أرزاء دنياهم
والآن نريد أن نخض بالذكر من بين هؤلاء أميل بارنج. كان شاباً عدا الثلاثين من عمره، وكان طبيباً في الجيش، وكانت له لحية آنق من لحية كوخ، ولكنها كانت أقل دلالة على فتق الحيلة وابتكارها؛ مع هذا وبرغم أسلوب لحيته المُرسل، كانت له رأس الشاعر؛ وبرغم حبه للفصاحة وإغرامه بفنون البلاغة، لَزِم خوان معمله بقدر ما لزمه أي باحث آخر. وبينا هو يكشف في دم الفئران عن مادة تقتل بشلة الجمرة، كان يصف كشف أستاذه كوخ لبشلة السل بأنه في المجد مثل قمة جبله الحبيب بين جبال الألب، وهي في بياض الثلج ولون الورد، ولزمته فكرتان ما فتئتا تطوفان برأسه. فكرتان علميتان ومع ذلك تمتان إلى الشعر بنسب قريب. إحداهما أن الدم أبدع سائل يدور في جسم حيّ، والثانية أنه لابد من وجود مواد كيميائية تقتل فتمسح المكروبات من أجسام الإنسان والحيوان مسحاً دون أن تضر بها وهذه الفكرة الأخيرة سبقه آخرون إليها
قال (سأجد مادة كيميائية تُبرئ من الدفتريا!)، وحقن طوائف عديدة من الخنازير الغينية بزريعات قتالة من مكروب الدفتريا. فلما مرضت، وازدادت مرضاً، حقن فيها كثيراً من المركبات الكيميائية. فجرب فيها أملاح الذهب، وهي أملاح غالية، وجرب النفتيل أمين وحقنها بما يزيد على عشرين مادة بعضها عادي مألوف، وبعضها غريب نادر. عرف أن هذه المواد تقتل المكروب في أنبوبة الاختبار دون أن تضر بزجاجها، فآمن في سذاجة أنها لابد تقتل هذا المكروب تحت جلد الخنزير الغيني دون أن تضر به. ولكن خاب إيمانه وا أسفاه. وامتلأ معمله بالخنازير الميتة والتي هي في سبيل الموت فكان كبيت الجزارة، وكان في ذلك مما يكفي ليقنعه بأن الفرق بين عقاقيره والمكروب في الأذى غير كبير. وأن كليهما يفتك بالخنازير، وزادت أكوام الجثث حوله، ومع هذا لم ينقص إيمانه بأن هذا العُقّار العجيب الذي سيشفي من الدفتريا لا يزال مختبئاً بين صفوف المواد الكيمائية، وهي ألوف في الوجود، وأخيراً وقع من بحثه الذي أفرغ فيه كل عزمه وخبط فيه على غير هدى، وقع على مادة ثالث كلورور اليود
ضرب بمحقنه جرعات عدة من بشلة الدفتريا تحت جلود بضعة من الخنازير، وكانت جرعات تكفي لقتلها. ومضت ساعات قليلة فأخذ المكروب يفعل فعله، فتورم الجلد حيث