ضرب المحقن، وأخذت الحيوانات تميل برءوسها: فما مضت ست ساعات حقن بارنج فيها كلورور اليود. وانتظر ما يحدث لها فقل رجاؤه فيها وظن أن الإخفاق جاءه مرة أخرى. ومضى النهار ولم تتحسن الحال. وجاء الغد فبدأت الخنازير تخور. فأخذها وأرقدها على ظهرها ثم أخذ يخزها بإصبعه ليرى هل تعود فتقف على أرجلها. قال لأعوانه وهم في دهشة مما يسمعون:(إذا أنتم وخزتم الخنزير وهو على ظهره فاستطاع القيام، علمتم أن الرجاء لم ينقطع فيه بعد) هذا هو محك الأمل عنده! هذا هو مقياس الرجاء! مقياس تعوزه الدقة إعوازاً شديداً، وينقصه التهذيب نقصاً كبيراً. تخيل ما يكون الحال أن طبيباً اتخذه وسيلة يعلم بها أيطيب مريضه أم يموت. وقلّت حياة الخنازير المحقونة بالكلور فقلّت حركتها عند الوخز حتى انقطع منها الرجاء
وذات صباح جاء بارنج معمله فوجد الخنازير واقفة على أرجلها! كانت لا تكاد تستقر عليها، وكانت نحيفة غاية في النحف، ولكنها كانت آخذة في الشفاء! نعم آخذة فعلاً في الشفاء من الدفتريا بعد أن هلك قبلها من رفقائها ما هلك
وهمس بارنج لنفسه! (لقد شفيت من الدفتريا!)
وتملكته رغبة حادة أن يشفى بهذه المادة اليودية خنازير أخرى. فكانت هذه الحيوانات المسكينة تموت أحيانا من المكروب، وأحيانا كان يقتلها هذا الدواء. وفي القليل النادر كان يشفى خنزير أو اثنان فيقومان من المرض على حال كالموت. لم يكن في هذا العلاج الفظيع يقين، ولم يكن فيه منطق ولا توافق وانسجام. والخنازير التي اشتفت به لاشك ودت أنها ما اشتفت، ذلك لأن الكلورور بينما كان يبرئها مما بها، كان كذلك يحرق جلودها فتتخرق خروقا تظل متقرحة لا تلتئم، فلا تلبث أن تصطدم بشيء حتى تصيت هذه الحيوانات المسكينة من ألمها الشديد. تلك حال مفجعة لا ترضاها القلوب
ومع هذا فالحقيقة الواقعة أن بارنج كان بين يديه قليل من تلك الخنازير لولا هذا اليود لقتلتها الدفتريا، لولاه ما سعت بين يديه كما تسمى. إني أفكر كثيراً في أمره هذه القوة الخفية الدفاعة التي لا تفتأ تغري بارنج وأمثال بارنج بعلاج الأمراض. فبارنج وأمثاله لم يجروا فيما صنعوا وراء الحقيقة، ولم يدأبوا ما دأبوا لجنوا المعرفة، بل هم إنما مارسوا التجربة طلباً للعلاج، وتسلط عليهم طلب العلاج فطلبوه جنونا، فأجازوا قتل الحيوان حتى