الإنسان بداء ليخلصوه من داء آخر. . . . لم يقفوا عند حد، ولم تثنهم عما طلبوا مخافات. . . . من ذلك أن بارنج قام يجرب هذا الكلورور النفاط الكاوي في الأطفال المرضى بالدفتريا وليس لديه من دليل على صلاحه غير تلك الخنازير القليلة النحيلة الهشيمة
وعاد من تجربته يقول:(لقد جربت كلورور اليود في أطفال مرضى بالدفتريا، واتبعت في ذلك الحذر والحيطة ما استطعت، فخرجت على نتائج لا تشجع أبدا. . .)
ولكن تلك الفئران الضعيفة التي نجت من الدفتريا بفعل هذه المادة كانت لا تزال بين يديه، كانت لا تزال تقع عليها عيناه فتعلق بارنج من أجلها بوهمه القديم، أنه لابد خارج من هذه المجازر ببعض غايته. وتعطفت عليه المقادير، فأخذ يتفكر، وإذا به يخرج من الفكر فيتساءل: أتكون هذه الفئران قد تحصنت الآن من الدفتريا بعد الذي جرى لها. وما لبث أن جاء بها وحقن فيها جرعات هائلة من بشلة الدفتريا - فاحتملتها! نعم احتملتها فلم تستقم شعرة واحدة على جلودها برغم هذه الملايين من المكروبات وهي كفيلة بقتل عشرة منها. إنها حصينة كما خال!
وكانت عندئذ ثقته في المواد الكيميائية ضاعت، فلم يعد يطلب من بينها علاجاً للدفتريا. وكيف لا تضيع بعد هذا العدد الهائل من جثث الحيوانات الذي أرسله إلى أسفل البناء ليقوم الخدم بإحراقه. أضاع أمله في الكيميائيات، ولكنه تمسك برأيه القديم عن الدم، فكان لا يزال يرى أنه أبدع سائل يدور في جسم حي. أعجب به حتى عبده. واتقد خياله فارتأى له فضائل لا ترى وخصائص غريبة لم تسمع. فقام إلى فئرانه العاجزة الضعيفة التي برئت من الداء فمص شيئاً من دمها، مصه بمحقنه من شريان في رقبتها، ثم أودع هذا الدم أنابيب من الزجاج، ثم ترك هذه الأنابيب حتى انفصل من الدم مصله الرائق الأصفر، فصعد مخلفاً في أسفل الأنبوبة قطعه الحمراء؛ ثم مصّ هذا المصل في أنبوبة صغيرة، ثم خلطه ببشلات الدفتريا الفاتكة
وتفكّر بارنج:(لاشك أن دم الفئران به شيء يحصنها من الدفتريا. لاشك أن به شيئاً يقتل بشلات الدفتريأ. . .)
ثم نظر إليها في هذا المصل من خلل مجهره وهو يؤمل أن يراها تنضر ثم تموت، فلما حدق فيها وجدها ترقص وتزيد، إذن هي لا تموت بل تزيد وتربو، أو على حد قوله