الأسيف في بعض ما كتب (تتكاثر في وفرة عظيمة). ولكن مع هذا فالدم سائل عجيب بديع. ولابد إليه ترجع حصانة هذه الخنازير. وهتف في نفسه هاتف يقول:(وعلى كل حال ألم يثبت هذا الفرنسي رو أن البشلات لا تقتل بل الذي يقتل هو السم الذي تصنعه؟ ألم تلبث أن سم الدفتريا لا بشلاتها هو الذي يقتل الأطفال والحيوانات؟. . . إذن فلعل هذه الخنازير الغينية التي شفاها الكلورور قد تحصّنت من سم الدفتريا!)
وأخذ في التجربة. وبعد زمجرة وأفأفة، وبعد تبلل وتقذر قمينين بكل شاعر عالم، جهّز بارنج حساء احتوى سم الدفتريا وخلا من مكروبها. وأخذ من هذا الحساء فحقن جرعات هائلة تحت جلود خنازيره الحصينة وكان قد تناقص عددها. فإذا بها حصينة تجاه السم. وأخذت قروحها الماضية تلتئم، وأخذت تكبر سِمَنا. هذا أمر لاشك جديد في علم المكروب. أمر ربما كان ارتآه رو ولكنه لم يتحقق على يديه. حمى بستور الشياه من داء الجمرة، وحمى الأطفال وحصنّها من عضة الكلاب المسعورة، ولكن هذا الذي أتاه بارنج غير هذا وذاك. هذا أمر طريف يقف العقول حيرى. بارنج يصيب الخنازير بالدفتريا، ثم هو يشفيها منها بعلاج فظيع كاد يوردها الموت، ثم هو بذلك يحصّنها من سم الدفتريا الفتاك، من ذلك السم الذي تقتل الأوقية منه ٧٥٠٠٠ كلب
(صاح بارنج: (في هذا الدم لاشك يوجد الترياق الذي يحمي هذه الخلائق، وفيه لابد أنا واجده!)
وكان لابد له من الحصول على شيء من هذا الدم، ولكن لم يبق لديه من هذه الخنازير الحصينة شيء، أو لم يكد يبقي منها شيء، فعمد إلى خنزير قديم منها كان استنزف دمه مراراً، فشق رقبته يبحث عن الشريان الذي يمص منه الدم فوجده انعدم؛ أو كاد من كثرة ما عاوده. فأخذ ينكش حتى حصل على بقية قليلة من الدم جاء بها من شريان في رجل هذا الحيوان. له الله من حيوان جدير بنا أن نذكره بالحسنى. لقد قاسى بارنج في أيام هذه التجارب ألماً نفسياً كبيراً، كما قاست حيواناته ألماً جثمانياً كبيراً. فلو أن رحمتنا تُقّسم بينهما، بين بارنج وحيواناته، ما درينا أيهما أحق بأكثرها. كان يستيقظ كل يوم فيذهب تواً إلى معمله وهو متوتر الأعصاب ليطمئن على حياة هذه الخنازير الحصينة، هذه الخنازير القليلة المتناقصة التي لا تُشترى بمال. . . . وعلى كل حال حصل أخيراً على قطرات