كان في اعتقاد الأقدمين أن مخرج النيل من جبال القمر، وهذا الاعتقاد الذي يظهر لأول وهلة أنه وليد الخرافات مبني على حقيقة عرفت يوم اكتشف منبعه الأصلي، وهي أن أصول النيل تخرج من أعالي (أوجاموازي)، وهذه اللفظة معناها (بلاد القمر). وقد ظلت هذه الأصول مجهولة حتى أواسط القرن الماضي؛ وحاول كثيرون من الرحالة أن يهتدوا إلى منبع النيل فلم يظفروا بطائل؛ فمحمد علي أوفد ثلاث بعثات بين سنتي ١٨٤٠ و١٨٤٢، فكان نصيبها الإخفاق؛ والفرنسي دارنو لم يصل إلى أبعد من الدرجة ٤٢ من العرض الشمالي؛ والإيطاليان مياني ودبونو، والإنكليزي بتريك، والفرنسي لاجان، لم يجاوزا الدرجة الثلاثين. وظل منبع النيل سراً مجهولاً إلى أن اكتشف الرحالة الإنكليزي سبيك بحيرة تانجانيقا بين سنتي ١٨٥٧ و١٨٥٩ فإذا هي مصدر النيل. وفي سنة ١٨٦٠ عاد يرافقه جرانت فحدد بتدقيق مخرجه. فمنبع النيل الأبيض إذن هو بحيرة تانجانيقا العظيمة التي تزيد مساحتها على ٧٠ ألف كيلو متر مربع، وموقعها يعلو عن سطح البحر نحو ١٣٠٠ متر
يتألف النيل الأبيض من شلالات ريبون، ويسير قاطعاً المستنقعات والقفار والبحيرات، وضاما إليه بعض الأنهر الصغيرة حتى يصل أرض الفراعنة، فينساب بين سهولها وحيدا لا يعترضه شيء إلى أن يصب في البحر المتوسط. وطوله من منبعه إلى مصبه ٦٢٨٠ كيلومترا، وهو أعرض من نهر الأمازون في البرازيل، وأطول من المسيسيبي في الولايات المتحدة
أما النيل الأزرق فمصدره بحيرة تانا في الحبشة، ويتصل بأخيه النيل الأبيض عند الخرطوم عاصمة السودان. وهو غزير المياه ولاسيما في فصل الأمطار في الحبشة. ومدته من يونيه إلى أواخر أغسطس. ولولا النيل الأزرق لما أروى النيل الأبيض وحده أراضي السودان ومصر، فهو إذن عامل كبير في حياة تلك البلاد الواسعة؛ ولا يمكننا أن نتصور مبلغ نكبة مصر بفقدانها هذا المجرى الحيوي