للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجاء أن يأتي بأمر جليل تفتح له السلطات من الدهش أعينها واسعة

قال: (إن هذا الكلورور اليوديّ له أثر سيئ في الخنازير الغينية لا ينقص كثيراً عن أثر المكروب ذاته. ولكن هذا المصل الواقي ليس له أثر سيئ فيه، فهو لا يلهب جلدها ولا يحدث خُرّاجات فيه. . . وأنا على يقين أنه لا يؤذيها. . . وأعلم غير هذا أنه يحصنها فيقتل فيها سم الدفتريا إذا هو جاءها بعد التحصين. . . فليت شعري أيقتلها كذلك إذا هو جاءها قبله؟. . . واختصاراً أيكون في هذا المصل شفاء من الداء بعد كينونته؟)

وجاء بارنج بطائفة كبيرة من الخنازير الغينية وحقن بشلات الدفتريا فيها. فلما كان الغد وجد المرض قد دبّ فيها، واصبح الصباح التالي فإذا بها ملقاة على أظهرها في همود منذر وهي تتنفس جاهدة. عندئذ قام بارنج فحقن في بطونها مقادير وافية من مصل الشياه الحصينة. فوقعت المعجزة الكبرى، فأخذت الخنازير، إلا قليل الأقل منها، تسترجع أنفاسها بعد برهة قصيرة. ولما جاء الغد أرقدها بارنج على ظهرها، فإذا بها تنط فتقوم على أرجلها، وعلى أرجلها ثبتت. وفي اليوم الرابع تمت سلامتها فكأن الداء لم يصبها أبدا. أما الأخريات التي حقنت بالمكروب دون المصل فحملها الخادم هامدة باردة إلى حيث تحمل الميتات.

إذن لقد شَفىَ المصل من الدفتريا!

وزاط المعمل العتيق من أجل هذا الفتح الجديد التي أتاه بارنج العالم الشاعر، الخاطئ الصائب، العاثر الناهض. وملأ الأمل القلوب بأنه لابد سيشفي الأطفال من بعد هذا. وأخذ يعدّ أول مصل يحقنه في طفل على وشك الموت بالداء. وبينا هو يتجهز لهذه التجربة الخطيرة جلس يكتب تقريره الشهير ويصف فيه كيف تأتى له أن يخلص حيواناته من الموت بحقنها بمادة جديدة عجيبة غريبة اصطنعها لها في أجسام أخوات لها جازفت بحياتها في سبيل ذلك من أجلها. كتب بارنج: (ليس لدينا طريقة مؤكدة لتحصين الحيوانات). وكتب (وهذه التجارب التي قيدتها لا تتضمن مجهوداتي الناجحة وحدها). وصدق في هذا، فهو قد أثبت فيها مجهوداته الفاشلة وأظانينه الخاطئة إلى جانب ما حباه به الحظ من توفيقات صائبة نال بها هذا النصر الدمويّ العظيم

لشد ما أعجب كيف استطاع هذا الشاعر أن يسبق إلى كشف ترياق الدفتريا، وأن يفوز بهذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>