علم، إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً). (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً. إن الله عليم بما يفعلون)، وهذا بالضبط هو ما اهتدى إليه العلم الحديث وشدد من أجله في وجوب التفرقة بين الثابت الذي لا شك فيه، وغير الثابت الذي هو في حاجة إلى التمحيص، ومن هنا ترى أن التطابق تام في هذه الناحية أيضاً بين العلم وبين الإسلام
على أن هذا ليس هو كل ما وضح به القرآن سبيل الحق أمام الإنسان، فأنه كما حذره من الخلط بين الحق والباطل، ومن إنزال الظن والتخمين منزلة البرهان واليقين، دله على الطريق العملي الذي يتبين به وجه الحق فيما هو منه في شك: طريق استعمال العقل لا السمع والبصر. ومن العجيب أنك لا تكاد تجد في القرآن ذكراً للسمع والبصر إلا والعقل مقرون بهما مذكور معهما كأنما يريد الله أن ينبه الإنسان إلى ما بينهما وبين العقل من ترابط، فالعقل لا يتم إلا بأثرهما وهما لا ينفعان نفعهما إلا إذا كان العقل من ورائهما يوجههما وينظم عملهما، أو كأنما يريد الله سبحانه أن ينبه الإنسان إلى أن ما يكسب من علم أو معرفة راجع في صميمه إلى هذه الثلاثة، وأن عليه إذن أن يحسن استعمالها ويحذر إهمالها. على أن الإنسان لم يترك في هذا إلى مجرد الاستنتاج. فقد أنبأه الله صراحة في القرآن في معرض المن عليه أن علم الإنسان مصدره السمع والبصر والعقل كما ترى في آية النحل:(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، وأوجب عليه آيات كثيرة أن يحسن استعمال سمعه وبصره وعقله، نذكر منها آية واحدة هي فصل الخطاب في هذا الباب ألا وهي قوله تعالى من سورة الأعراف:(ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون) فأنه ليس هناك أكثر حضاً على إحسان استعمال العقل وأدواته من هذه الآية الكريمة التي لم تكتف بتسوية الإنسان بالبهيمة أو جعله شراً منها إذا هو أهمل عقله وسمعه وبصره، بل أنذرته أبلغ إنذار أنه إن فعل ذلك فقد هلك إلى الأبد وحشر نفسه في زمرة أهل النار
فهذا أصل التجربة والمشاهدة قد لقي في صميمه من التوكيد في الإسلام ما يصغر بجانبه ما