لقي من التوكيد في العلم وإن كان هو قوام العلم الحديث. والسر في هذا أن العلم لا يزال في الدور الذي يدرس فيه الفطرة ابتغاء الوقوف على أسرارها فحسب، أما الدين فيأمر باستكناه أسرار الفطرة ليزداد الإنسان بها هدى إلى رب الفطرة الذي فطرها وفطره، والإنسان إن لم يهتد إلى ربه فأنه لا محالة من الهالكين. ومهما يكن من اختلاف الغاية بين الدين والعلم فإن كل غاية العلم هي بعض غاية الدين، والطريق الذي يسلكه العلم إلى غايته هو جزء من الطريق الذي يأمر بسلوكه الإسلام
على أننا نحب أن نزيد هذا التطابق بين الطريقين توكيداً بالتنبيه إلى آية واحدة في القرآن جمعت للإنسان أصول النظر العلمي وأثبتتها من الدين مجتمعة بعد أن أثبتتها من الدين متفرقة، تلك هي قوله تعالى من سورة الإسراء:(ولا تَقْف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) فأنها من ناحية تأمر الإنسان بالوقوف عند حد ما يعلم (ولا تقف ما ليس لك به علم) ومن ناحية أخرى تدله على طريق استبانة الحق فيما لا يعلم، والاستمساك بما يتبين له من الحق عن ذلك الطريق، طريق إحسان استعمال السمع والبصر والعقل (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) وفي قوله سبحانه (كل أولئك كان عنه مسئولاً) في موقعها من الآية تقرير مسئولية الإنسان عند ربه عن حواسه وعقله كيف لم يستعملهن عند الشك حتى يتبين وجه اليقين، وكيف حين استعملهن لم يحسن استعمالهن، أم كيف وقد أحسن استعمالهن لم يستمسك بما وصل إليه من الحق عن طريقهن حتى صار هو ومن أهملهن سواء. ولو حاول العلم أن يزيد في توكيد أصوله على هذا ما استطاع، ثم هو ليس ببالغ شأو الدين في هذا التوكيد لأنه لا يملك المهمل أصوله حساباً ولا عقاباً
وبعد، فلعلنا نكون قد وفينا هذا الموضوع الخطير بعض حقه من البحث، وبلغنا الغرض الذي بدأنا هذا البحث من أجله، وأثبتنا أن العلم الحديث بينه وبين الإسلام كل ما بين الجزء والكل من تطابق مادام قد ثبت أنه قرآني الموضوع والاسم والروح والطريقة؛ فهو بجملته وتفصيله قطعة من الإسلام، حتى فروضه العلمية ونظرياته التي يلتمس بها سنن الفطرة لها في الإسلام متسع، لأنها ليست إلا ضربا من الاجتهاد الذي يثبت الله عليه المجتهد، أخطأ أم أصاب. وهذا التطابق العجيب بين العلم والإسلام هو الذي كان متوقعا