وكان يقول: مكثت خمسا وأربعين سنة أنقل أحاديث أهل الشام إلى الحجاز، وأحاديث أهل الحجاز إلى الشام، فما أجد أحدا يطرفني بحديث لم أسمعه
سخاؤه
قال الليث: وكان من أسخى الناس، كان يعطي كل من جاءه وسأله، حتى كان يقترض من عبيده ولا يرى بذلك بأساً، فقيض الله له على قدر صبره واحتماله: إما رجلاً يهدي له ما يسع السائلين، وإما رجلاً يبيعه بنظرة، وكان يطعم الناس الثريد في الخصب وغيره ويسقيهم العسل، وكان يسمر مع أصحابه على العسل
ونزل بماء من المياه مرة، فقال له أهل الماء: إن لنا ثماني عشرة امرأة مسنة ليس لهن خادم، فاستسلف ثمانية عشر ألفاً فأخدم كل واحدة منهن خادماً بألف، وقضى عنه هشام سبعة آلاف دينار وقال له لا تعد لمثلها تدان، فقال الزهري يا أمير المؤمنين حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين
وأخدم الزهري في ليلة واحدة خمس عشرة امرأة من بني زهرة خمس عشرة وليدة، اشترى كل وليدة بثلاثين ديناراً
وقيل له إن الناس لا يعيبون عليك إلا كثرة الدين، فقال: وكم ديني؟ إنما ديني عشرون ألف دينار، وليس يرثني إلا ابن أخي هذا، وما أبالي ألا يرث عني شيئاً
وكان يقول: وجدنا السخاء لا تنفعه التجارب
وقال الإمام مالك: كان الزهري من أسخى الناس، فلما أصاب تلك الأموال قال له مولى له وهو يعظه: قد رأيت ما مر عليك من الضيق والشدة، فانظر كيف تكون وأمسك عليك مالك. فقال له: ويحك، إني لم أر الكريم تحنكه التجارب فقال الحسين بن عبد الله الكاتب في هذا المعنى:
له سحائب جود في أنامله ... أمطارها الفضة البيضاء والذهب
يقول في العسر إن أيسرت ثانية ... أقصرت عن بعض ما أعطي وما أهب
حتى إذا عاد أيام اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تنتهب
ومرّ به رجال من التجار وهو في قريته، والرجل يريد الحج، فابتاع منه بزاً بأربعمائة