فتوصلت بهذه الواسطة إلى تحصيل بعض العلوم ومعرفة القراءة والكتابة والخياطة والغسل والكيّ وغيرها مما تحتاج إليه الفتاة ويكلفها تعلمه نفقات كبيرة. وكنت أتولى خياطة ثيابهن، وأعدهن لحضور الحفلات في إكس، وأنتظر رجوعهن من المراقص حتى الساعة الثانية والثالثة بعد نصف الليل، ومكافأة لي على ذلك كن يدفعن إلي كتاباً أو رواية لكي أطالعها في غيابهن؛ فكنت أجلس بها إلى جانب الموقد وآخذ في مطالعتها مرتين وثلاثاً ولا أتركها من يدي إلا بعد أن أكون قد استوعبت معانيها جيداً؛ وهكذا طالعت قصة المسكينة لورانس في روايتك الشعرية جوسلين، وقد قلت لنفسي وقتئذٍ: هل يسعدني الحظ برؤية كاتبها ومحادثته؟ لا ريب أنك تعرف أنشودة البحري التي مطلعها: من هو ناظم النشيد؟
فيجيبها لامرتين: نعم أعرف تلك الأنشودة التي يضع ناظمها اسمه تحت آخر بيت منها كما كان فيندياس يضع اسمه على قاعدة تماثيله، وفانديك في ذيل رسومه لكي يخلد بخلودها. ولكن أخبريني كيف انفصلت عن تلك الأسرة الكريمة، وأي عمل تمارسين الآن؟
فتقول له رينه: بعد أن تزوج البنات وتوفيت الأم لم يعد من حاجة إلى بقائي في البيت، فغادرته على ألا أدخل في خدمة غيره؛ وقد ساعدني الأب بمبلغ من المال على تدبير أموري، وقال لي البنات: اطمئني فلن نحوجك إلى الاستجداء
وكنت محبوبة معتبرة في بيئتي، فاستأجرت حانوتاً تعلوه غرفة صغيرة للنوم، وانصرفت إلى احتراف الخياطة، ولكثرة الإقبال عليّ كدت لا أستطيع تلبية الجميع؛ وأنا أعيش اليوم من إبرتي، وما يفيض عن نفقاتي أختزنه ليوم الضيق أو لأيام شيخوختي. وكانت لي عصفورة تسليني في وحدتي ففقدتها وحزنت عليها كثيرا، وأنا أخصص أيام الآحاد والأعياد للمطالعة. وفي المدينة أشخاص من الطبقة العالية مثلك، وعلماء وأدباء حتى وبعض أعضاء المجمع العلمي يعرفون ميلي إلى المطالعة والنظم في بعض الحفلات، فلا يخجلون من دخول مصنعي ومحادثتي وإعارتي بعض الكتب
فيقول لها لامرتين مبتسما: أتنظمين الشعر أيضاً يا رينه؟ كدت استشف ذلك من عينيك الحالمتين، إذ لا سماء بدون غيوم، والأحلام والنظم هي غيوم تينك العينين الجميلتين؛ ولكن هلمي بنا، لقد هجرت أنا النظم، ولكني لم أزل أحن إلى سماع رناته والاستمتاع