بروائع صوره ومعانيه. فما أجمل زمن النظم! وما أشد شوقنا إليه! هل تتذكرين يا رينه شيئاً من نظمك فتسمعيني إياه؟ انظري ما أبدع هذا المكان وألطفه لإنشاد الشعر! فالشمس على وشك المغيب، والبحر يحمل إلى مسمعنا هدير أمواجه وخشخشة أصدافه التي هي أشبه بغناء صغيرة تضرب على الصنج، والنسيم يداعب أشجار الليمون وينثر أزهارها العذرية على شعرك الأسود، وأنا، هذا الغريب الذي كان شاعرا فيما غبر من الأيام ويجلس وحيداً أمامك ليسمعكِ وقد أعجب بنبرات صوتك، ألا يساوي كل هذا في نظرك جمهوراً من السامعين حتى ولو كانوا من أعضاء المجمع العلمي؟
فتجيبه رينه: لا جرأة لي على ذلك يا سيدي، ولكني أحتفظ بمقاطيع من الشعر كنت قد نظمتها في إحدى ساعات كآبتي، فأفضل أن تقرأها أنت من أن ألقيها أنا على مسامعك. ثم تخرج من جيبها بضع أوراق وتدفعها إليه
فيأخذها لامرتين ويقرأها لنفسه، وكانت هي في أثناء ذلك تمسح وجهها بمحزمها وتحول نظرها عن وجه لامرتين مخافة أن تقرأ فيه ما يدل على استهجانه
ثم يصف لامرتين تأثير تلك القراءة في نفسه فيقول له:
لقد أعجبت وتأثرت جداً بما قرأت، أنه التعبير الساذج اللطيف المؤثر بكل قوته ومعانيه، بل خلجات قلب هادئة تصل إلى المسامع بصورة شجية متناسقة، بل صورة ملامحها المتواضعة اللطيفة بكل خطوطها وعلاماتها؛ وبكلمة واحدة، أنه شعر حقيقي لامرأة تحاول التعبير عن عواطفها بالضرب على أوتار آلة تجهلها
لم تكن الأبيات التي طالعتها شديدة أو رنانة كشعر رابول، ولا حماسية وهاجة، أو ندية فضفاضة كالياسمين، بل كانت هي نفسها: نغمة مملة كئيبة تنشدها عاملة فقيرة لنفسها وهي تحرك أناملها أمام نافذة غرفتها لكي تخفف تعبها من عمل الإبرة
كان في الأبيات نغمات حادة تجرح القلب، وأخرى لا تحتوي إلا نبرات غامضة لا تلفظ كأن التنفس وقف في منتصف الاستنشاق، غير أن هذا كان قوياً وتاماً وتغلغلاً حتى القلب وحتى السماء؛ وكان التأثر فيها يفوق الإعجاب. وعلى الجملة أنها الشعر في حالة التكوين، الشعر الذهبي كما هو في كل مكان حيث يبتدئ في الشعب ولو خلا من صوت الفن، أن نغمة واحدة مملة كئيبة، وقصة تتألف من حادث أو حادثين، وسبع أو ثماني صور كافية