فما بالك أيتها القاسية تعاقبين المخلص وتتركين الخائن. أفما كنت ترحمين المخلصة بأن تحليها من العقود التي ربطتها بها. أنظري إلى هذا القد الأهيف المياس ما أشد نحوله. أنظري إلى هذه الصفرة التي ليست من ظاهرات الشباب الحي. . أفيكفي أن يكون الوجه ساحراً والعينان فتاكتين لتكون دليل الحيوية والنشاط. إن هذا السحر العظيم في تقاطيع هذا الوجه، وهذا المعنى البليغ العميق في هاتين العينين، ليسا إلا ظواهر الحب الدفين، فجرديها منه تجدي شبحاً من الأشباح
دق باب غرفتها فأذنت ودخلت (فيروز) وهي مربيتها وخادمتها الخاصة. . . تدعوها فعادت معها إلى حيث كانت أختها والرفيقات. . لقد خشين عليها الوحدة فدعونها. . لكن نفسها كانت تزخر بشتى العوامل. . الحب، البغض، الغيرة. . ولكن كرامتها أخذت تتيقظ فتعمل على إخماد هذه العوامل. . ودعت (فيروز) وطلبت منها أن تغني الأغنية التي تحبها. فاتخذت هذه وضع من يريد الغناء وشرعت في الأغنية الشعبية العراقية المعروفة:
جَلْبكْ صَخَرْ جلمود ... ما حَنْ عَلَيَّهْ
وأنت بِطْرب وبكيف ... والْبِيَّهْ بِيَّهْ
وما أتت فيروز على الأغنية حتى شرعت تبكي. . وشاركتها الجليسات. وفيما هن في ذلك دق الباب الخارجي. . فهرعت إليه فيروز وعادت تحمل رسالة حمراء اللون عرفت من لونها أنها رسالة برقية وكانت باسمها. كانت البصرة مصدرها. . من البصرة. . . يا لله. . فضتها بيد مرتجفة وقرأت:
(ماتت زوجتي بالتيفوئيد منذ أسبوع. أسفت كثيراً على ما فعلت. . إني قادم إليكم بعد يومين. .).
تغيرت سحنتها تماماً بعد تلاوة (البرقية) وتألقت عيناها بعزم ثابت ونظرت باحتقار إلى البرقية التي كانت لا تزال مفتوحة ومزقتها قطعاً صغيرة وألقتها في الموقد الذي كان بالقرب منها. وقالت تتمتم:
ماتت زوجته!. إنه قادم بعد يومين!. ما أسخفه وما أقل عقله! ماذا حسبني؟ هل يظن أني سأبقى محبة له بعد الآن؟. . إن هذه البرقية خاتمة آلامي. . فلأسعد ولتعد إلي الحياة. . ألا تباً له من رجل جبان. . يريد أن يسلو بي زوجته. فيا للذلة! ويا لسخرية القدر! ليذهب