قال: هذا حق ومهما أنس فلا أستطيع أن أنسى هذه الجملة الطريفة التي يرددها جندي كورتلين كلما وقف موقف الحرج أمام الكابتن: ` فلولا هذه اللحنة الظريفة الشائعة، التي تجري بها ألسنة العامة من الفرنسيين والتي أذاعها كورتلين، حتى تفكهت بها الخاصة لما كان لهذه الجملة موقع في النفس حسن، ولا منزل من القلب عجيب. قالت: وكل كلام الجندي وكلام رفاقه ظريف محبب إلى النفوس لأن ما فيه من اللحن والتواء الأسلوب يصور روح الشعب كما هي صريحة مستقيمة لا غموض فيها ولا التواء. قال فأنت إذا من أصدقاء اللغة العامية وأنصارها، وماذا لو عرف أعلام البيان في مصر عنك هذا الرأي؟. قالت: لا أصنع شيئا فليس يعنيني أن يعرفني أو ينكرني أعلام البيان في مصر أو في غير مصر. وما تعودت قط أن أرى الرأي فاسأل نفسي عن حظه من رضى الناس أو غضبهم. قال: قد علمت ذلك حق العلم وجربته حق التجربة، ولم تمض ساعات على هذه التجربة اللذيذة الأليمة معا. ألست قد زعمت لي؟ قالت: لم أزعم لك شيئا! فلا تعبث ولا تفسد علينا بهذا الاستطراد ما نحن فيه من الحديث، لست من أصدقاء اللغة العامية، ولكني لست من أعدائها. وما أذكر أني كتبت شيئا باللغة العامية، وما أظن أني سأكتب بها شيئا؛ لأني لا أحب ذلك، ولو أحببته ما قدرت عليه. ولست أرضى أن تصبح اللغة العامية لغة البيان الأدبي، ولا أعطف على كاتب يتعمد الكتابة بها ويتخذها ترجمانا لما يريد أن يعرضه من الخواطر والآراء، ولكني على هذا كله لا أستطيع أن أمحو هذه اللغة، ولا أستطيع أن أنكر أن لها جمالا تنفرد به أحيانا وتعجز عنه اللغة الفصحى. ولا أستطيع أن أمحوها من قلوب الأشخاص الشعبيين وأضع مكانها اللغة الفصحى، وأوفق مع ذلك إلى تصوير هؤلاء الأشخاص الشعبيين تصويرا صادقا كل الصدق، جيداً كل الجودة، متقنا كل الإتقان. قال وهو يبتسم ابتسامة ملؤها المكر والخداع: ألا تعجبين أن ينتهي بنا الحديث عن كورتلين إلى الحديث عن توفيق الحيكم؟ قالت: ومن توفيق الحكيم؟ ما سمعت به قبل اليوم!. قال: فأنت إذا من أهل الكهف. قالت: وأي عجب في أن أكون من أهل الكهف، ومتى زعمت لك أني أعرف الناس جميعا أو أقرأ للناس جميعا؟!. قال فان أهل الكهف عنوان قصة لتوفيق الحكيم هذا الذي لم تعرفيه ولم تسمعي به، وأؤكد لك أني اكره لك هذا الجهل. فتوفيق الحكيم شاب خليق أن يعرف، ومن العيب كل العيب أن يجهله أديب