تربطها بإيطاليا معاهدة صداقة خاصة واتفاقات سرية ذاع أمرها فيما بعد، قاومت سياسة العقوبات رغم موافقتها نظريا على تقريرها، ووقفت إلى جانب إيطاليا موقفاً كان له أكبر الأثر في شل سياسة العقوبات، وعجز عصبة الأمم عن تقرير عقوبات أخرى كانت تزمع فرضها كتحريم إصدار الزيت والحديد إلى إيطاليا؛ هذا ولم يبق سرا أن فرنسا تشد أزر إيطاليا في هذه الحرب الاستعمارية بصفة إيجابية، وأنها تعاونها بالقروض السرية؛ وهي من جهة أخرى تعرقل تصدير السلاح إلى الحبشة من طريق جيبوتي، خلافا للاتفاقات المعقودة فتزيد بذلك في إضعاف المقاومة الحبشية وتمهيد السبيل لتفوق الجيوش المعتدية
ولقد كان موقف العصبة إزاء هاتين السياستين المتناقضتين يدعوا إلى الرثاء، فلا هي استطاعت رغم تأييد السياسة البريطانية أن تسير في تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيطاليا بالحزم الواجب تأييداً لمبدأ السلامة الإجماعية الذي تعمل باسمه، ولا هي استطاعت بأية وسيلة أن تحمل إيطاليا على وقف اعتدائها الصارخ، أو قبول الصلح في الحدود التي رسمتها منذ بداية الاعتداء؛ بل ولا استطاعت أن تحمل إيطاليا على احترام أبسط قواعد الحرب الشرعية، والعدول عن الالتجاء إلى الوسائل الهمجية الفتاكة من غازات قاتلة ومحرقة وغيرها ضد شعب يكاد يكون أعزل إزاء وسائل التسليح الحديثة؛ ومازالت عصبة الأمم منذ أشهر تجتمع وتسوف على غير طائل، وإيطاليا تمضي في اعتداء هو أشبه بالقرصنة المجرمة منه بالحرب المشروعة، فتمزق الأحباش محاربين ومسالمين بغازاتها وطياراتها، وعصبة الأمم لا تكاد تجد ما تقوله إزاء هذه النذالة التي تثير استنكار العالم المتمدن بأسره، إذا استثنينا بعض الجهات الاستعمارية الجشعة التي ترى فوز إيطاليا عاملاً في تثبيت أقدام الاستعمار في أفريقية
على أن ظفر إيطاليا الحربي في الحبشة لا يكفي لتسوية المسألة الحبشية مهما كان مدى هذا الظفر؛ ففي وسع إيطاليا أن تستولي عسكريا على الحبشة كلها، ولكن الاحتلال العسكري لا يمكن أن يعتبر مستقرا أو نهائيا، ولا يمكن بأي حال أن يعتبر خاتمة المشكل، ولابد أن تحسب إيطاليا أعظم حساب لموقف السياسة البريطانية؛ ذلك أن بريطانيا العظمى ترى في استيلاء إيطاليا على الحبشة وتوسع الاستعمار الإيطالي في شمال أفريقية خطرا عظيما على سيادتها ونفوذها في وادي النيل وشرق أفريقية، وترى في نهوض إيطاليا