الاستعمارية وفي اضطرام الروح الفاشستية بالأطماع والمشاريع الاستعمارية خطرا أعظم على سيادتها في البحر الأبيض والبحر الأحمر وعلى مواصلاتها الاستعمارية التي تسهر على حمايتها بيقظة متناهية، فالمسألة الحبشية في ذاتها تحتل في نظر بريطانيا مكانا ثانوياً، ولكن المسألة الجوهرية هي ما يترتب على فوز إيطاليا واعتزاز الروح العسكرية الفاشستية بهذا الفوز، وهر روح اعتدائية أخذ يبدو خطرها في البحر الأبيض ظاهرا ملموسا؛ والسياسة البريطانية تعمل منذ بدء المشكلة الحبشية وراء عصبة الأمم ووراء مبدأ السلامة الإجماعية؛ وقد كانت تتوقع عند فوزها بتقرير سياسة العقوبات الاقتصادية أن هذه العقوبات ستحدث أثرها في أهبة إيطاليا وفي مواردها بسرعة، فتقبل الصلح على الأسس التي وضعتها عصبة الأمم؛ ولكن السياسة الفرنسية المماذقة التي تعمل من وراء الستار لشد أزر إيطاليا حالت كما رأينا دون تحقيق هذه الغاية، واستطاعت إيطاليا أن تحرز بوسائلها العسكرية المجرمة في الحبشة انتصارات خطيرة؛ فالسياسة البريطانية تجد الآن نفسها بعد فشل سياسة العقوبات، وانهيار المقاومة الحبشية، في موقف حرج؛ وإذا كانت خطتها التالية لم تتضح بعد، فأنه مما لا ريب فيه أن وجهة نظرها إلى الموقف لم تتغير بل ربما كان اهتمامها اليوم بقمع الخطر الإيطالي على مصالحها ومواصلاتها أشد منه في أي وقت آخر
ومن المحقق أن السياسة البريطانية تؤثر العمل بوسائل لا تدفعها إلى الحرب؛ والظاهر من تصريحات مستر إيدن وزير الخارجية البريطانية في جنيف، وتصريحات مستر بلدوين رئيس الوزارة، وأقوال الصحف البريطانية ذات الرأي، أن إنكلترا مازالت ترى المضي في سياسة العقوبات الدولية، مستظلة بعصبة الأمم ومبدأ السلامة المشتركة، وأنها ستقوم بمحاولة أخرى في هذا السبيل قبل أن تفكر في الالتجاء إلى وسيلة أخرى؛ والظاهر أيضاً أن أنصار هذه السياسة يرون أن الانتصارات الإيطالية الأخيرة في الحبشة لا تقوم على أسس مستقرة؛ وأن إيطاليا لا تستطيع المضي طويلاً في الاضطلاع بهذه الأعباء والتضحيات الفادحة التي تضطلع بها، وأن أحوالها الاقتصادية الداخلية بلغت مأزقاً خطراً، فإذا استطاع الأحباش أن يصمدوا في الجنوب وأن يحتفظوا بنوع من المقاومة بضعة أسابيع أخرى حتى يبدأ فصل الأمطار، وإذا ظفرت إنكلترا أثناء ذلك بحمل عصبة الأمم