للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوربا؛ وتعلم فوق ذلك أننا اتصلنا بهذا الوجه من الأدب في مدارسنا وجامعاتنا. وتعلم فوق هذا وذاك أن الأوربيين قد كتبوا تاريخنا على أوجه انتحيت فيها نظريات اجتماعية أو اقتصادية أو جنسية، وخاصة تاريخ العرب والإسلام. وأنت بعد هذا كله تعلم علم اليقين أن كثيراً ممن أرخ للعرب أو الإسلام قد أخطئوا التقدير أو شطوا في الأحكام، أو أن النظرية التي بنوا عليها تواريخهم لم تواتهم بالحقائق التي تلبس ما كتبوا ثوب الإقناع. فهل استطعنا الانتفاع بهذا الوجه الجديد من أوجه الأدب؟ هل ألفنا في تاريخنا كتباً قامت على نظريات جديدة تتصل بالثقافة الحديثة أو بفروع منها بحيث تبين لنا عن الاتجاهات الفكرية والتصورية التي اختفت وراء الحوادث الظاهرة، وصححنا بذلك الأخطاء التي وصلها بعض الكتاب بماضينا؟ كلا وكفا

ولنعد بعد ذلك إلى المستشرقين منهم، ونمتحن في ضوء العقل والاتزان الآثار التي صدرت عنهم متصلة بثقافتنا القديمة، ونعني بالمستشرقين كل من اتصل بالشرق سواء كان ذلك من طريق اللغة أم من طريق الدرس باللغات التي نقلت إليها آثارنا القديمة. أما إذا اتجهنا ذلك الاتجاه فإن أول ما نلحظ في الآثار التي صدرت عنهم عكوفهم فيها على أسلوب البحث العلمي وهو أسلوب يتلقونه في معاهدهم وتلازمهم آثاره بعد ذلك. فهم يكتبون التاريخ بأسلوب البحث العلمي، ويكتبون الأدب بأسلوب البحث العلمي، ويتكلمون بأسلوب البحث العلمي وهو أسلوب أخص ما امتازت به ثقافتهم التقليدية. ثم تلحظ بعد ذلك أثر البحث الأكاديمي من حيث الانكباب على الفهم العميق لأشياء قد تلوح أول شيء تافهة غير جديرة بالبحث ولا هي خليقة بالدرس، ومقارنتها بمجموع الحقائق التي تتعلق بها. وهو أسلوب من البحث عاش بين جدران الأزهر أزماناً، وكاد الأزهر يفقده الآن مع الأسف، مع ما فقدنا من تقاليدنا القديمة. وتشهد بعد ذلك في آثارهم ما تضفي الأناة والصبر والاستقلال في الرأي على الآثار العلمية من مظاهر الروعة والجلال. هذا إلى المظهر العام الذي يلابس ما يؤمنون من جماع هذه الأشياء. وبذلك استطاع هؤلاء المستشرقين أن يهضموا ما أخذوا عن الشرق ليخرج من بين أيديهم لابساً صورة أوربية رسيسة. ولقد يخطئون، ولقد يشط أكثرهم أكبر الشطط، ولكنه خطأ واشتطاط تلابسه روح البحث والدرس، ويحوطه الأسلوب الأكاديمي بروعة البحوث العلمية

<<  <  ج:
ص:  >  >>