انتشار روح التسامح والوئام بين الجارتين وتوثيق العلاقات الودية بينهما؛ وإن فقدت هذه الروح في إحدى البلادين فلوكارنو تصبح ورقة بالية ولتقدير قيمة هذه المعاهدة يجب معرفة عقبة كل من البلادين
مما لاشك فيه أن الفرنسيين محبون للسلم، فهم يكرهون الحرب دون أن يخافوها، ولا يفكرون في الاستيلاء على بلاد أوربية، غير أنهم يسيئون الظن في الغير، وهم حريصون جداً على حريتهم وسلامة بلادهم. وإن حاول الغير التعدي عليهم أصبحوا كالرجل الواحد، يدافعون حتى النفس الأخير في سبيل حريتهم ووطنهم. وهم يودون التفاهم مع ألمانيا وإيجاد سلام أبدي بين البلادين، غير أنهم يعتقدون اعتقاداً راسخاً بأن ألمانيا تريد غدرهم والإيقاع بهم، وهي تستعد لحرب ثانية وتعمل لها، ونتيجة لهذه الفكرة المختمرة في رءوسهم يعملون على تقوية مركزهم الحربي، ويسعون في إيجاد حلفاء لهم ضد ألمانيا ونتيجة ذلك حصر ألمانيا والظهور بمظهر العدو لها. . .
والشعب الألماني شعب (ديناميكي) يحب الحرب ويصبو إلى الفتح، ولا يقبل إلا أن يكون له المركز الأول في أوربا. . . وهو ينظر إلى فرنسا كالحاجز الذي يحول بينه وبين غرضه، فيبغضها ويعمل على كسر هذا الحاجز؛ ثم إن الشعب الألماني فخور، يأبى العار ويعمل على غسله حتى بالدماء؛ وهو لن يرضى عن فرساي بل يبذل جهده في تمزيقها
فلوكارنو لم تحل هذه المعضلات، ولم تزل أسباب العداء الذي بين الجارتين؛ فهي لم تؤمن فرنسا على سلامتها، ولم تعط ألمانيا بعض ما تصبو إليه، فهي عاجزة عن إيجاد السلام وتوثيق روح الصداقة والوئام بين أكبر عدوين
أما قيمتها الأخلاقية فقد زالت بضربة ٧ مارس، ووضع الهر هتلر المعاهدات الأخلاقية في دائرة المعاهدات القانونية التي ترغم الدول على التوقيع عليها؛ وقال بعدم قانونيتها ما دامت تخالف مصالح إحدى الدول التي وقعت عليها
وسنرى في المقالات التالية أن لا قيمة لكفالة بريطانيا وإيطاليا، وأن هاتين الدولتين لم تقوما بما تفرضه عليهما نصوص معاهدة لوكارنو
وعندما دعت ضربة ٧ مارس إلى تطبيق المعاهدة، اختلف في تفسيرها ولا سيما البند الثالث من المادة الرابعة