ثلاثة دراهم وأعطى الزمني خمسين خمسين، وفرض للفقيرات من عوانس النساء، وأعتق كثيرا من الرقاب. وقد كتب إلى أحد عماله (ان اعمل خانات في بلادك، فمن مر بك من المسلمين فاقروهم يوما وليلة، وتعهدوا دوابهم، فمن كانت به علة فأقروه يومين وليلتين. فان كان منقطعا به فقووه بما يصل به إلى بلده) وأمر عماله بقضاء الديون عن الغارمين فكتب اليه بعضهم (أنا نجد الرجل له المسكن والخادم وله الفرس والأثاث في بيته) فكتب عمر (لابد للرجل من المسلمين من مسكن يأوي اليه رأسه، وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، وأثاث في بيته، فهو غارم فاقضوا عنه) ولما رأى عمر أن ليس للشعراء حق في بيت المال جعل يجزهم من عطائه وماله الخاص على قلته، بالدراهم والدنانير المعدودة، وقد أدرك الشعراء سبب تحرجه هذا فكانوا يقبلون منه العطاء اليسير أو الرد أحيانا بغير عطاء، ولم يقصروا في مدحه وقدره.
على ان أهم ميزة تميز عمر بن عبد العزيز من غيره من خلفاء الإسلام ورؤساء الدول طراً فيما نعلم انما هي رغبته الصادقة في نشر لواء السلم، لا على بلاده وحدها ولكن على العالم بأسره. ولبيان ذلك نقول انه عمد في داخل الدولة الإسلامية إلى الأحزاب التي ناوأت الأمويين منذ قام ملكهم فترضاها وحملها على ما يريد من إيثار السلم والعافية. فالشيعة استجلب مودتهم بان منع سب علي بن أبي طالب على المنابر، وبأن رد على العلويين (فدكا) التي رآها حقا قديما لهم قد غصبوه. والخوارج قد كبح جماحهم من طريق المجادلة بالحسنى والإقناع بالحجة والبرهان. فعندما ظهر شوذب الخارجي بأرض فارس أمر عمر ألا يقاتلوا حتى يسفكوا دما أو يفسدوا في الأرض، وكتب في الوقت نفسه إلى شوذب يطلب اليه المناظرة في دعواه، فأنفذ اليه الخارجي اثنين من فقهاء الخوارج ليناظراه. وقد استطاع عمر أن يهدم كل حجة أورداها الا ما احتجا به من إقراره يزيد بن عبد الملك على ولاية العهد مع ما يعلم من قبح سيرته، وكان من وراء هذه المناظرة الطريفة أن انضم أحد الخارجيين إلى عمر، وأما الآخر فعاد إلى أصحابه وأنهى إليهم على ما يظهر من سيرة الخليفة ما حملهم على السكون طوال عهده. أما الموالي فقد قطع أسباب شكواهم، بأن أسقط الجزية كما رأينا عنهم، وبأن فرض لمقاتلتهم عطاء. وأما العصبية القبلية من يمنية ومضرية وربعية فقد هدأ من حدتها، بأن ردع الشعراء الذين كانوا يذكون نارها، وبأن