أما من حيث العلاقات الخارجية، فقد سلك عمر بن عبد العزيز في الأمر مسلكا بدعا لم يسبق اليه ولم يلحق فيه. ذلك أنه أقفل جميع الجيوش الإسلامية التي كانت تغزو وراء الحدود، أقفل مسلمة ابن عبد الملك وكان مرابطا حول أسوار قسطنطينية وأعانه على القفول بأموال بعث بها اليه. وأقفل الغزاة بما وراء النهر على كره منهم كما أقفل من كانوا يغزون بالسند. على أن عمر لم يقف في هذا الأمر الخطير عند هذا الحد، بل اتبع العدول عن سياسة العنف بالدعوة السلمية إلى الإسلام. يروي البلاذري أنه لما أقفل الجيوش التي كانت تغزو بما وراء النهر كتب إلى ملوك تلك الجبهة من الترك يدعوهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم. ولما انتقض ملوك السند كتب إليهم يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يملكهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، قال البلاذري (وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم جيشبة والملوك وتسموا بأسماء العرب) كذلك كانت سياسته بازاء بربر المغرب الذين أشجوا الجيوش العربية زهاء ثمانين عاما. يقول البلاذري (ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز ولى المغرب إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بني مخزوم، فسار أحسن سيرة ودعا البربر إلى الإسلام، وكتب إليهم عمر كتبا يدعوهم بعد إلى ذلك، فقرأها إسماعيل عليهم في النواحي فغلب الإسلام على المغرب. ويذكر المؤرخ اليوناني تيوفان أن عمر كتب أيضا إلى الأمبراطور البيزنطي يدعوه إلى الإسلام.
وكأن عمر بن عبد العزيز قد اطلع بلحظ الغيب على نظمنا الحديثة التي تفرض على الدولة الأشراف على التعليم والعمل على نشره بين أبنائها. فقد أراد تعليم الناس كما يؤخذ من قوله في رواية ابن عبد الحكم (ان للإسلام حدودا وشرائع وسننا. . . . . فان أعش أعلمكموها وأحملكم عليها) بل لقد أخذ في ذلك بالفعل فبعث يزيد بن أبي مالك الدمشقي والحارث بن محمد الأشعري إلى البادية ليفقها الناس وأجرى عليهما رزقا. ثم هو أول خليفة أمر بجمع أحاديث رسول الله وتدوينها. نقل السيوطي (ان عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر محمد بن خزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله (أو سننه فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء. وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن عمر بن عبد العزيز انه كتب إلى الآفاق ان أنظروا إلى حديث رسول الله (فاجمعوا) قال في فتح الباري