وبعد، فماذا كان اثر تلك الجهود كلها؟ لقد أدت إلى الغاية التي كان يرمي أليها عمر. فقد طاف بالأمة الإسلامية اذ ذاك طائف الزهد والورع والتدين اقتداء بخليفتها، والناس على دين ملوكهم كما قالوا قديما. يروي الطبري (وكان الوليد صاحب بناء واتخاذ مصانع وضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه، فإنما يسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانه، فولي سليمان فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن التزويج والجواري، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل، ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم؟ وما تصوم من الشهر؟ وأصبح الناس وقد شملتهم نعمتا الرضا واليسر. قال (كثير) يخاطب عمر ويمدحه:
تكلمت بالحق المبين وانما ... تبين آيات الهدى بالتكلم
وصدقت موعود الذي قلت بالذي ... فعلت فأمسى راضيا كل مسلم
وروى ابن عبد الحكم قال (قال يحيى بن سعيد: بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات أفريقية فاقتضيتها وطلبت فقراء نعطيها فلم نجد بها فقيرا، ولم نجد من يأخذها مني، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها رقابا فأعتقتهم وولاؤهم للمسلمين)
نعم، لقد أغنى عمر الناس جميعا إلا نفسه وأهله. فلم ير ولي قوم أعف عن مالهم منه، ولم ير أهل بيت أصبر على الطعام الخشن والثوب المرقوع والبيت المتهدم منه ومن أهل بيته. ولقد أراح عمر الناس ولكنه أتعب نفسه، فكان حركة دائمة يعمل ليل نهار حتى ذهبت نضرته واحترق جسمه. وزاده هما فقدانه في آجال متقاربة من عهده القصير أحبابه وأعوانه: ابنه عبد الملك، وأخاه سهلا، ومولاه مزاحما، فلم يقو جسمه على احتمال العمل والألم، فاسلم الروح بخناصرة في ٢٥ رجب سنة ١٠١ ولما يعد التاسعة والثلاثين من عمره. وقد دفن بدير سمعان قريبا من دمشق.
لا ندري ماذا كان عمر صانعا لو مد له في حياته؟ أغلب الظن انه كان يتلافى موضع الضعف من إصلاحه فيقيم هذا الإصلاح على أساس ثابت لا يتزعزع بمجرد موته. ومهما يكن من شيء فقد فاز عمر بن عبد العزيز بتقدير أنصاره وخصومه على السواء. فهو عند أهل السنة مجدد المائة الأولى وآخر الخلفاء الراشدين، وقد رضى عنه العلويون وأهدى