للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يألف الإهانة في صغره عدم قبولها إذا ما كبر. وإذا آنس المعتدي من فريسته المقاومة فكر كثيراً قبل الاعتداء. فإذا ما قوبل الاعتداء بمثله كف المعتدون مع الزمن، فتشيع في الجماعة روح الاعتدال نتيجة هذا التفاعل، ويشع في جوانبها نور الحرية ويصلب عودها وتقوى ويصعب النيل من حريتها واستقلالها

إيجاد هذه الروح في الجيل الحاضر وتربيتها في الجيل الناشئ ليس من الهين في بلادنا مثلاً. لكن الأمر كما قلت عظيم. فليكن من أغراض دعاة الإصلاح تحقيق هذه الغاية بكل الوسائل. فبناء الأمة قوية مستحيل إذا لم تغلب روح الاستقلال والحرية والاعتماد على النفس والأباء. وكل بذل في هذا السبيل له ما يبرره

خلاصة ما تقدم أن البذرة الأولى للتربية الاستقلالية في البيت، فإذا ما نمت به تعهدت خارج البيت بالمدرسة والمصنع ودواوين الحكومة ومكاتب الشركات والمنشآت الاجتماعية بوجه عام، وكانت بذرتها القوية في البيت مما يهون نموها وذيوعها وانتشارها في الجماعة

حرية الجهر بالرأي

إذا نشأت غالبية أفراد الجماعة على الاعتماد على النفس والأباء، فإن الغالبية تجهر بالرأي في غير خشية ولا خجل. والرأي يسمع في غير اشمئزاز ويناقش في غير تعصب أو تحامل غير طبيعي. وبذا تسير الجماعة في غير كثير من الاحتكاك

أما إذا لم تكن الشجاعة والاعتماد على النفس والإقدام هي الصفات الغالبة، فإن حرية الجهر بالرأي تعز من جهة، وقبول النقد النزيه يندر من جهة أخرى، فيكثر العسف وتنتشر الأخطاء وتنحط الجماعة

التربية الاستقلالية ترفض بطبيعتها المداراة. وفي الأوساط الحرة لا تحرج ولا إحراج، بل يأتي النقد النزيه بالطبع ويقابل كذلك. والحقيقة تظهر بتلاقي الآراء. أما في الأوساط غير الحرة لانعدام التربية الاستقلالية أو ندرتها، فالإقدام يندر ويندر معه النقد ومقاومة الظلم، فيكثر الغرور وتكثر الأخطاء وينحط المستوى الفكري والخلقي تبعاً لذلك، وتضعف أداة السير إلى الأمام وتهن قوة المقاومة فتفقد الجماعة وجودها المستقل وتمسى خاضعة لمشيئة الغير

علاقة الحكام بالمحكومين

<<  <  ج:
ص:  >  >>