(يسرني أيها الأصدقاء، وقد دعوتكم إلى الاشتراك معي بفرح وحزن لا شأن لكم بهما، أن أطلعكم على سرهما وقد لزمني خمس عشرة سنة، ولأن في الأفراح كما في الأحزان إنبثاقات من نور تهدي الإنسان إلى سمت الوجود، وتجعل الحياة نفسها عذبة مشتهاة، فأصغوا إلى قصتي واعلموا أن الحياة هي الحياة في الفتى والشاب والكهل والشيخ، إنما الفارق هو في قوة الشعور وخصائص الوعي، قد يحب الكهل بقوة وحرارة تماثلان حب الشاب، وقد يعشق الشيخ ببراءة وسذاجة عشقاً يضارع عشق الفتى، إنما الرجل من يحتفظ بتوازنه، فلا يشتط في أطوار الحب وهي مرافقته ولا بد حتى اللحد، ومن يستضيء بنور نفسه لا يضل السبيل، وبذلك تسعده شاعريته ويفرحه روحه وينعم بلذة وجوده الإنساني)
المقدمة بارعة، والاستهلال حسن؛ فهات القصة فكلنا لك سامعون
(رن جرس التلفون، تناولت السماعة وأثبتها على أذني، وإذا بي أسمع صوت امرأة تناديني باسمي وتقول إنها قادمة من أمريكا لزيارة الشرق واستعادة ذكريات طفولتها فيه، وإن اسمي في مقدمة أسماء من وطدت الأمر على مقابلتهم، وإنها ستكون سعيدة إذ تراني يوم الاثنين بعد غد في القاهرة، فقلت لها: انه يسعدني لقياها الليلة في الإسكندرية لأني أسافر في قطار مساء اليوم، فأقضي نهار الأحد فيها كعادتي في فصل الصيف، وسألتها عن أسمها فأجابت: ستعرف اسمي قريباً، وقالت: إن لقياك بي في الإسكندرية تعطل على خطة الريادة؛ وتفسد طريقة الاستكشاف التي رسمتها لنفسي. فقطعت عليها الكلام وقلت مازحا: إني لست واحة في صحراء مجهولة، وإنك لست (روزتا فوربس) تقتحم الصحاري لتصف الحياة فيها تحت إطناب الخيام ومضارب الأعراب الأشداء، فأجابت قائلة: أرجوك الاحتفاظ بهذه الاعتراضات إلى حين اللقاء في القاهرة، وألا تزاحم المرأة في فضولها وبداواتها، وودعت فانحبس الكلام
أرجعت السماعة إلى مكانها، وأخذت أستعيد في ذاكرتي وخيالاتي نبرات الأصوات، وصور النساء اللواتي عرفتهن، فلم أهتد إلى واحدة يوائم صوتها صوت المرأة المجهولة التي حدثتني
امرأة من أمريكا تعود إلى الشرق لاشك أنها سورية، ولقد هاجرت من سورية منذ نيف