للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذاكرته، فهل الأسماء والكنى مكتفية بالملامح والصور، وإني لعاذرتك على نسيانك إياي وقد افترقنا بالفعل منذ زمن بعيد

- كان افتراقنا قبل ثلاثين سنة أو أزيد. أليس كذلك يا سيدتي؟

- لا تعرف السيدات أعداد السنين التي تحصى أعمارهن بالضبط

- عفواً يا سيدتي ما إلى هذا رميت، إنما لأتذكر، ولكن أين كان افتراقنا؟

قالت: أتذكر فلاناً. . . (وقد ذكرت اسمه) وقد كنت معه في مدرسة النهضة الأولية في دمشق؟

قلت: نعم أذكر ذلك

قالت: هل نسيت أخته سلمى وقد كانت تمزق لك أوراق (المزامير) فتضطرك إلى إستحفاظ (المزمور) غيباً عن كتاب أخيها وكنت تتظاهر أمام معلم الكتاب أنك تقرأ في الكتاب لا عن ظهر قلبك؟

قلت: إني لذاكر ذلك، وأحسب أنك ابنة خالتها وقد كنتما سوية في المدرسة المسكوبية

قالت: كنت أخا لك قوي الذاكرة قديراً على استعادة ما طبعته الطفولة في لوحة حوادثها النقية، ولفظت عبارتها هذه برزانة وتأمل

شاعت أحاسيس مضطربة مؤلمة في جوانب نفسي فشعرت بضنى الخيبة والفشل، وفجأة تيقظت فيّ عوامل الانتباه بعد إذ توجه شعوري وتمركز فأصبح الخاطر الغامض واضحاً جلياً لديّ، فقلت بعد أن مررت بأطراف أصابعي على جبهتي الندية في صياح: الآن تذكرت، الآن تذكرت، أنت الفتاة اللعوب أنيسة. . وكنا جيرانكم في بيت واحد وقد قبضت عليك مرة متلبسة بسرقة رمانتي وقد استبدلتها بتفاحة من عندك، وفي مرة أخرى رأيتك تدسين في محفظة كتبي قلماً رصاصياً وصورة بديعة للعذراء مريم

تضاغطت شفتاها فكتمتا ابتسامة حلوة وقالت: نعم أنا هي أنيسة وقد كنت لا تنفك تتحداها بتلاوة الكلمات الفرنسوية وتركيب جمل منها

أوه يا أنيسة كم أنت طيبة القلب فقد وضعت اسمي في مقدمة الأسماء التي أزمعت على مقابلة أصحابها بعد الغياب الطويل، أما أنا فقد نسيتك لتقادم العهد وجور السنين، وقد طوحت بنا في قطرين متباعدين. . . . . وكدت أخب في الحديث معها وفي استعادة

<<  <  ج:
ص:  >  >>