الكتابي. لكن الفتى كان حساساً بواجبه فلم يقنع بهذا. وبحث فهداه البحث إلى مخرج وهو أن الاتفاق في مثل هذه الحالة التي كان يعالجها ضد النظام العام، فهو باطل لهذا السبب. ذلك أن المدعي في تلك القضايا كان مقيماً بالقاهرة ومن كبار تجارها. وفعلاً كتب مذكرة برأيه هذا وأبلغه رأساً لرياسة محكمة الإسكندرية، وهذه بدورها أبلغته لوزارة الحقانية. وما كان أشد سرور صاحبنا لما وصلته بعد قليل من الزمن تعليمات عامة أرسلت بها وزارة الحقانية للمحاكم تقضي بأن مثل الاتفاق المشار إليه باطل. وهكذا أنتج إحساس كاتب بسيط تعديلاً في سير المحاكم في مسألة فيها شيء من الخطورة، بعد أن سارت عشر سنين على عكس ما ينبغي أن تسير في هذه النقطة
ذاك الموظف عينه التحق بمصلحة أخرى وكانت الجهة التي يعمل بها تتلقى تعليماتها من وزارة الداخلية. وحدث أن أرسلت الوزارة تعليمات فيما يتعلق بمحاكمة أكبر طائفة من موظفي مصلحته. ورأى هو أن التعليمات لا تتفق مع صريح نص اللائحة المعمول بها. وأنها فوق ذلك تحرم طائفة كبيرة من ضمان هام. فاعترض في لطف بأنه مع وجود النص الصريح كيف تطبق تعليمات الوزارة بغير أن تعدل اللائحة طبقاً للقانون. ولكن الوزارة لم تأخذ برأيه. فترقب فرصة ملائمة، لاعتقاده أنه يصعب أن تعدل الوزارة عن رأي بناء على ملاحظات موظف بسيط خارج الوزارة؛ ثم كتب اقتراحاً بصورة أخرى وأبلغه الوزارة فشجعها على تعديل التعليمات بما يطابق اللائحة دون أن يكون في ذلك حرج. وفعلاً عدلت الوزارة التعليمات
ولكن من الحق أن نذكر أن هذا الموظف لا يجد عمله هيناً دائماً، بل كثيراً ما أوذي لتمسكه برأيه وعدم تقيده بحرف التعليمات دون روحها. بل أحياناً يتعرض للجزاء بسبب رفضه التقيد بلفظ التعليمات المالية إذا كان تنفيذ روحها يحقق مصلحة مالية للهيئة التي يعمل بها ويتمشى مع المنطق، ولا تتعرض معه المصلحة لنتائج إجراء غير عادل
هاتان واقعتان من الأمور البسيطة. ومن الممكن تصور حالات يؤدي استمساك أحد عمال الإدارة برأيه فيها إلى تلافي قرار ضار أو إلى توفير أموال طائلة، أو اتقاء عمل يحمل الجماعة مسؤوليات جساماً
لكن جل صغار موظفي الإدارة عندنا، بل كبارهم، لا يكتفون بموافقة رئيسهم على ما يقول