قلنا وقد غشيت عين الجالوت غير مرة مع نفر من موظفي الحكومة العثمانية في قضاء جينين من أعمال نابلس حين كنت في عدادهم، وكنا نذهب إليها أحياناً للنزهة وقضاء يوم العطلة، وكان الماء يتفجر أمامنا من سفح الجبل فيحيط بالمصطبة التي جلسنا عليها من جميع جوانبها ثم ينساب في منحدر يصل إلى مدينة بيسان ويسقي في طريقه الغلال والبقول
وليست عين الجالوت من العيون الصغيرة، بل هي نهر صغير يقال له نهر الجالوت؛ يحاذي سفح جبل قامت عليه بعض القرى والمزارع مثل زرعين ونورس وغيرهما؛ ويقال لهذا الجبل جبل الدحى وبين هذا الجبل وجبل الطور المقابل له في الناحية الشمالية مرج ابن عامر المعروف بوادي يزرعيل كما يعرف جبل الطور بجبل تابور في التوراة
أما اليوم فإن هذه القرية قد أصبحت ملكاً لليهود يتصرفون فيها كيف يشاءون، فقد انتقلت ملكيتها من أصحابها الأصليين العرب إليهم في السنين الأخيرة بعد أن وعدتهم الحكومة البريطانية بلسان وزيرها بلفور المشهور بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين ومكنت لهم في أرضها، وهم كل يوم يقتنصون (بليدة لطيفة) من بلدان فلسطين فيشردون أهلها تحت كل كوكب، ويبنون وطنهم العتيد على أنقاض الإسلام وتراثه الخالد فيغيرون معالم البلاد ويردونها إلى أصولها
هذه عين جالوت التي حمت فيها مصر الإسلام والمدنية والإنسانية قبل سبعة قرون - كما قال الأستاذ أبو حديد - تعود فتتسمى باسمها العبري القديم عين حرود، ويسكنها شذاذ الآفاق من اليهود
وفيها اليوم بحسب آخر إحصاء لحكومة فلسطين ٤٨٣ نسمة يشغلون ١٣٥ بيتاً
ويا ليت أن المصيبة اقتصرت على ضياع عين الجالوت فقط من العرب، بل إنها تعدتها إلى أكثر القرى الآهلة في ذلك الوادي الممرع، وأصبح الباقي القليل عرضة للضياع والانتقال، إلا إذا أراد الله بالمسلمين والعرب خيراً، ودفع بالحكومات الإسلامية والشعوب العربية إلى الدفاع عن هذه الأرض المقدسة التي أسرى الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إليها، وجعلها قبل ذلك موطن أخيه عيسى بن مريم عليه السلام، إذ ولد بها ودعا إلى عبادة الله في أرجائها وأنحائها، ورفع إلى الله منها