عقله، لا هو من الأحياء فينفع ولا هو بميت فيدفن. أما الآن فحمداً لله، فقد كتبت لي صديقتي تقول إنها استعادت عافيتها وبرئت من علتها فتخلصت أنا من التأرجح بين العدم والوجود، وشفيت من تقلبات النفس وانفعالاتها العكسية. . .
وانتصب واقفاً وقال: لقد دعوتكم الليلة يا رفاق صباي وعشراء كهولتي لأفضي إليكم بما كان بي من هواجس، وأعترف لكم اعتراف المثقل بالفرح، فهيا نشرب كأساً من الشمبانيا تبرد اليد المتقدة الممسكة بقلبي منذ عام، وقد أفلت من مقابضها اليوم
لم يتقدم واحد للشراب بل قال قائل: هل لمثلك وقد جاوزت الخمسين من عمرك أن يستغرقك الحب ويرديك في مهاويه؟ وقال آخر: ليس ما كان بك هو الحب، إنما هو أنانية أشعلت نارها امرأة مكبوتة حساسة عاشت على الحنين إلى الماضي في بيئة غريبة عنها. وقال الثالث: إن ما كان بك يا عزيزي هو حرمان أخرس حلت الفرحة المفاجئة عقلة لسانه فصرخ صرخة الوداع!!
وقال الرابع: لقد أنطقتك الخمر بما كان يجب السكوت عليه، وتبخرت اعترافاتك هذه نشوة سوف لا تلقاها بعد الآن. وعاد الأول فقال: لقد كان الخيال البعيد يشعرك بالذكرى المفقودة فكنت تتعمد إثبات وجودها بكأس كنت تشربها في وقت معين، وبسيجارة كانت تصور لك مرائي الماضي الضائع، وتخيلات تلك الليالي الهاربة من أجواء أحلام الشعراء، أما الليلة فقد بددت كل شيء، بددت كنز وجدانك، لأن رجل الحياة هو الذي يحب ويتعذب ويموت فلا يشتكي ولا يبكي، وقال آخر وهو يلوح بيديه ويلوي عنقه وشفته: ما هو الحب؟ أليس هو. . . أليس هو؟؟؟
لا. لا يا أصدقائي، ليس الأمر كما تتوهمون، ليس الحب ما تقول أنت يا صديقي، وأشار إلى المتكلم الأخير، إنما هو شعور بالحياة ووسيلة فعالة تصقل المدارك فتجعلها تتبصر وتتفقه المعاني لجمال الحياة، لا بد للرجل الحي من شعور سام بالحياة، فالحياة نفسها تسعد بالحب السامي. إن ما تمنحه المرأة للرجل عفو النزوة الطارئة أو الرغبة الطائشة أو المتعة الخاطفة إنما هي منحة متبذل يضع احترامه تحت أقدام الرجل. الحرمان لرجل الشهوة شواظ كومة قش مشتعلة، وللمرأة المسؤولة حنان مدفون لذيذ وعطف دائم، مستحب. الحرمان للرجل المثقف إنما هو مراء ومشاهد، وأنغام وألحان، أطياف وظلال لخيالات