ضَلَّ من يقول إن العقل والكبرياء كلاهما يذهبان برونق الهوى، ويطفئان شعلة الحب. إنهما يجعلان من الهوى هوى مركباً لا ترقى إليه العقول الصغيرة، ومن الحب حباً معقداً لا تبلغه العاطفة السقيمة
ثم انطلقا. . . والفتى سعيد بفتاته، والفتاة سعيدة بفتاها فما يفترقان إلا على ميعاد، وهما بين الميعادين كالظمآن يذكر آخر قطرة تذوقها ويرى فيها الحياة، وينتظر أول قطرة تأتيه ليرى منها النور
على ضفة النهر، وبين الخمائل، وتحت ظلال الشجر، وفي ضياء البدر، في صمت الطبيعة وجمالها، طائران أغمض الدهر عنهما جفنيه ليرشفا من رحيق الحياة كأساً صافية، ما كدّرها تخاصم، ولا لوّثها عبث. عام انطوى، فكان العمر، وكان جمال العمر، والصفحة البيضاء في كتاب حياة الشاب والشابة. فما يكون جزاء هذا الحب إلا رباطاً لا تنفصم عروته؟ وتلألأت الفكرة، وتضاعفت سعادة العاشقين بهذا الأمل الجديد
والفتى والفتاة من أسرتين ترسفان من التقاليد في أغلال، وويل للحب إذا اعترضت سبيله التقاليد!
وكانت فكرة، ثم استحالت الفكرة فإذا هي كلام، وحار الكلام فإذا هو خطوات إلى غاية، ولكن. . . ولكن ما أحوج هذا السالك إلى من يرود له الطريق! هؤلاء أهلها، ماذا يعرفون من أمره؟ وكيف يخطبها إليهم وما له عندهم أسم ولا رسم؟ وهؤلاء أهله، ماذا يعرفون من أمر فتاته، وما حاول من قبل مرة أن يفض لهم اغلاق قلبه أو يقرأ عليهم سطراً من شبابه؟ وهذا أبوه، شيخ لا يؤمن بالحب، ولا ينقاد لنزوات العاطفة؛ وهو رباه ونشأه واختار له فيما اختار فتاة من ذوي قرباه، فما ينتظر له زوجاً غيرها ولا لها زوجاً غيره. فمن ذا يشفع له عنده؟ وهذا عمه، وإنه لرجل جد وكفاح لا يرى الحياة إلا من الناحية الصلبة الجافة، فما إليه مشتكى، ولا فيه شفاعة! ولقد تلقى الفتى عن - فيما تلقى - دروساً في الشجاعة والصراحة معاً، فكيف تخذله شجاعته، وكيف يلتوي لسانه وهو يطلب الحياة لنفسه؟ وفي قلب الفتى نار لو لفحتْ الشجر الأخضر لتركته هشيماً، وفي رأسه شعلة لو نفخت على السائل لتركته يغلي ويفور. وابتدأ الفيلسوف الذي في رأسه يفرض الفروض، ويأتي بالمقدمات، ولكن إلى غير نتيجة