لقد ملك اللذة وأراد أن ينعم بها، ولمس السعادة وأمل أن يحتويها، ولكن فكرتي اللذة والسعادة هما اللتان ذهبتا بشجاعته وصراحته
ماذا في السعادة غير اطمئنان الخاطر، وهدوء الضمير، وإشراق الحياة، وابتهاج النفس، والرضى بكل ما يجيء به القدر؟ ذلك هو الإيمان، والشعور به هو اللذة. فلا تنشدهما من غير هذا السبيل
ونفخ الحب في عزم الفتى، ونفث من سحره في لسانه، فمضى بين الرجاء واليأس ينفض أمام أبيه جملة حاله. وكان أبوه قد قدّر حين رأى في أبنه الذهول والصمت حيناً، والانكباب على المطالعة حيناً آخر، أن به شيئاً. وقالت له ذكريات شبابه:(ويحك أيها الشيخ! إن فتاة قد سلبتك فتاك، لأنه فقد النوع، وإنه لشاب به ثورة الفتاء ما بالرجل يوقد تحته بنار من حجارة، فأمسك عليك ولدك بزوج تربطه بها وتربطها به. . .!) ووعى الشيخ ما سمع. فلما أذن للفتى أن يكشف لأبيه عن صدره، قال له:(يا بني! إن حكمة الشيوخ غير طيش الشباب. يا بني! إنه أنا الذي رباك وأنا الذي يريد أن يعيش في تأريخك جيلاً آخر. عقلك أولاً ثم عاطفتك، وغداً تهدأ هذه الثورة. . .!) ولكن الثورة لم تهدأ بل زادت ضراماً، وعاد الفتى إلى عمه يستعينه على رأي أبيه، فما الأخ إلا صورة من أخيه، ولما أرسل إلى أهلها قالوا:(حتى يرضى أهله)
وضاقت نفسي الفتى بما رأى وسمع، وما لبثت الفتاة أن سميت على غيره، فأصبح الفتى يتوزعه الحب وقد أخفق فيه وصفرت منه يداه، والكبرياء التي لا تطاوعه على أن ينقاد، فصار همه همين؛ وعض الحزن على قلبه فاستلبه من أيامه، وخلفه يمشي بين الناس جسداً بلا روح. . .!
وأحس الأب بمقدار قسوته على ولده، على حين لم يكن يريد له إلا السعادة، فأنطلق يلتمس له الشفاء من ألمه، ولكن أين له ما يريد وقد سميت الفتاة على غيره فخطبت فـ. . .
وكان الأب في انطلاقه يفتش عن السعادة لأبنه، قد ترك وراءه شبحاً يجلس إلى مدفئة في زاوية من الحجرة وقد نشر أمامه ورقة لا يكاد يتبين من سطورها إلا سطراً أسود يضطرب أمام عينه، وكأنه لم يكن ينظر كلاماً مكتوباً بل شريطاً عريضاً أسود يمثل له حظه في الحب. لقد وعاه من طول ما كرره، ولكنه ما يزال يقرأ، ويعيد ما يقرأ، كأن