يظفروا رغم ثوراتهم واحتجاجاتهم المتكررة بحمل السياسة البريطانية على أن تحيد ذرة عن خطتها.
ثم لقيت الحركة الصهيونية ظرفاً جديداً لنشاطها واضطرامها؛ ذلك أن ألمانيا جاشت بالخصومة السامية عقب قيام النظام الهتلري، ونظمت الحكومة الهتلرية لسحق اليهود في ألمانيا مطاردة عنيفة رائعة، فتوجست اليهودية في أنحاء العالم شراً، وهتفت كلها بأخطار الخصومة السامية، وألفت الصهيونية الفرصة سانحة لتؤكد لأبناء جنسها كرة أخرى أن الوطن القومي اليهودي هو ملاذ اليهودية وعصمتها من تلك النزعات الخطرة؛ وهكذا تدفق سيل الهجرة اليهودية على فلسطين بعنف لم تعهده من قبل، وزاد عدد اليهود في فلسطين بسرعة حتى أنه بلغ الضعف تقريباً في نحو ثلاثة أعوام؛ ولبيان ذلك نقول أن اليهود بلغوا حتى سنة ١٩٣٢ نحو ثلاثمائة ألف من مجموع سكان فلسطين وقدره مليون. وقد بلغوا في سنة ١٩٣٦ حسب أخر إحصاء نحو خمسمائة ألف، وبلغ السكان العرب من مسلمين ونصارى نحو سبعمائة وخمسين ألفاً؛ وقد اجتمعت مرافق فلسطين الحيوية في الأعوام الأخيرة في يد اليهودية بسرعة، وأحرزت اليهودية بالشراء السخي معظم أراضي فلسطين الخصبة، وساعدتها السلطة المنتدبة على تحقيق سيطرتها الاقتصادية بجميع الوسائل التشريعية والإدارية، ومازالت هذه السيطرة تزداد توطداً وتمكيناً.
والآن وقد رأى العرب أن بلادهم التي استوطنوها منذ الأحقاب، وأراضيهم ومرافقهم الحيوية، وتراثهم الديني والاجتماعي، كل ذلك يسير سراعا إلى التلاشي والعدم، والدولة المنتدبة تؤازر اليهودية باستمرار على تمكين غزوها المروع؛ وخطر الفناء القومي يلوح في ثنية المستقبل، فهل نعجب إذا رأيناهم ينفجرون سخطاً ويؤثرون السقوط في ميدان الجهاد الشريف على ذلك الإعدام البطيء المنظم؟ وهل تعجب الحكومة البريطانية إذا كانت سياستها في فلسطين قد أدت إلى مثل هذا الانفجار الخطير، وهو الثالث من نوعه في نحو عشرة أعوام؟
إن مؤازرة السياسة البريطانية لليهودية وتعضيدها لإنشاء الوطن القومي يرجعان إلى اعتبارات واضحة معروفة؛ فالسياسة البريطانية تعرف مدى النفوذ اليهودي في عالم المال والسياسة، وقد حظيت بريطانيا في الحرب العظمى بمؤازرة اليهودية، ومازالت ترمي إلى