الاحتفاظ بهذه المؤازرة؛ وإنشاء الوطن القومي ضمان لاستمرار هذا التعاون بين السياسة البريطانية وبين اليهودية.
بيد أن هنالك اعتبارات أخرى يلوح لنا أن السياسة البريطانية لم تقدرها حق قدرها. ذلك أن فلسطين هي قطعة من العالم العربي تحوطها الأمم العربية من كل صوب، والأمة الفلسطينية هي عضو في جماعة الأمم الإسلامية الكبرى؛ وإنكلترا التي تسيطر على عشرات الملايين من المسلمين، في أفريقية واسيا يجب عليها أن تحسب حسابا لعواطف المسلمين ومشاعرهم؛ ومن المحقق أن العالم الإسلامي كله يعطف على فلسطين في محنتها وكفاحها كل العطف، ويأخذ على السياسة البريطانية مسلكها نحو فلسطين وأمانيها المشروعة، ومن المحقق أن إصرارها على هذا المسلك سيكون له أسوأ الأثر في العالم الإسلامي، وفي عواطف الشعوب الإسلامية نحو إنكلترا.
وعلى اليهودية ذاتها أن تفطن لهذا الاعتبار؛ فالوطن القومي اليهودي يقوم في قلب العالم العربي والإسلامي، متحديا عواطف العرب والمسلمين، وهم من حوله كالبحر الزاخر؛ ولتعلم اليهودية أن الحوادث قلب، وأن مصاير التأريخ ليست في يدها وأن هذا البحر قد يطغى يوماً فيغمر هذا الوطن القومي بما فيه ويصبح أثراً بعد عين.
والسياسة البريطانية لا يمكن أن يفوتها مثل هذا الاعتبار الخطير الذي تنوه به الصحف البريطانية؛ ولكن الظاهر أن عوامل أخرى على السياسة البريطانية تشددها نحو بحث المسألة الفلسطينية؛ فنحن نعرف أن السياسة البريطانية قد منيت بالفشل الذريع في محاولتها إحباط الغزوة الإيطالية للحبشة، وأن ظفر الاستعمار الفاشستي يثير اليوم في إنكلترا مخاوف خطيرة بالنسبة لمستقبل سيادتها في شرق أفريقية ووادي النيل، وكذلك بالنسبة لمواصلتها الإمبراطورية في البحر الأبيض المتوسط؛ وتخشى إنكلترا أن تساهلها نحو أماني فلسطين - وفلسطين تعتبر قاعدة حيوية في مواصلاتها الإمبراطورية - قد يحمل على نوع من الضعف والتسليم ويعرض هيبتها الاستعمارية للانتقاض. وقد رأينا المندوب السامي في فلسطين يرد على مطالبة العرب بوقف الهجرة الصهيونية بإصدار تصريح جديد بمهاجرة أربعة آلاف وخمسمائة عائلة يهودية، متجاهلاً بذلك أن طغيان الهجرة من أهم أسباب الثورة القائمة. هذا إلى أن نفوذ اليهودية في إنكلترا يعمل عمله؛ وقد