للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مهابة وخشوع.

قال الأستاذ: إنما أنت دائماً في حديث نفسك مع نفسك، ولو كنت نهراً يا مستنقع لما كان في لغتك هذه الأحرف من البعوض.

قال العجوز الظريف: إن هذا ليس من كلام الفلسفة التي نتنازعها بيننا ترد على وارد عليك، ولكنه كلام القانون الذي لك وحدك أن تتكلم به أيها القاضي.

قال (م): صرح وبين فما فهمنا شيئاً

قال العجوز: هذا كلام قلته قديماً في حادثة عجيبة. فقد رفعت إلى ذات يوم قضية شيخ هرم كان قد سرق دَجاجة؛ وتوسمته فإذا هو من أذكى الناس، وإذا هو يجل عن موضعه من التهمة، ولكن صح عندي أنه قد سرق وقامت البينة عليه ووجب الحكم، فقلت له: أيها الشيخ ما تستحي وأنت شائب أن تكون لصا؟

قال: يا سيدي القاضي كأنك تقول لي ما تستحي أن تجوع؟

فورد على من جوابه ما حيرني فقلت له: وإذا جعت أما تستحي أن تسرق؟

قال يا سيدي القاضي كأنك تقول لي: وإذا جعت أما تستحي أن تأكل؟

فكانت هذه أشد علي فقلت له: وإذا أكلت أما تأكل إلا حراماً؟

فقال: يا سيدي القاضي إنك إذا نظرت إلى محتاجاً لا أجد شيئاً، لم ترني سارقاً حين وجدت شيئاً.

فأفحمني الرجل على جهله وسذاجته، وقلت في نفسي لو سرق أفلاطون لكان مثل هذا؟ فتركت الكلام بالفلسفة وتكلمت بالقانون الذي لا يملك الرجل معه قولاً يراجعني به، فقلت: ولكنك جئت إلى هذه المحكمة بالسرقة فلا تذهب من هذه المحكمة إلا بالحبس سنتين.

قال محدثنا: وأرمضني هذا العجوز الثرثار وملأ صدري إذ ما برح يديرني وأديره عن (كاترينا ومرغريت)، ورأيت كل شيء قد هرم فيه إلا لسانه، فحملني الضجر والطيش على أن قلت له: وهب القضية كانت هي قضية (كاترينا) وقد رفعت إليك متهمة، أفكنت قائلاً لها: جئت بالمحكمة بالسرقة فلا تذهبين من المحكمة إلا بالحبس سنتين؟

وجرت الكلمة على لساني وما ألقيت لها بالاً ولا عرفت لها خطرا، فاكفهرَّ القاضي العجوز وتربد وجهه غضباً وقال: يا بغيض! أحسبتني كنت قائلاً لها: جئت إلى المحكمة بالسرقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>