للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يرجع تاريخ النقد الأدبي في روسيا إلى عهد الشاعر العظيم بوشكين (١٧٩٩ - ١٨٣٧) وذلك للفصول الممتعة القوية التي كان يوالي نشرها في المجلة الروسية (الرسول الأوربي) ينقد فيها الشعر والشعراء منذ فجر النهضة الروسية إلى زمنه. وقد أثارت هذه الفصول حماسة الشباب ولفتتهم إلى درر الآداب العالمية، وربت فيهم ذوقاً خالصاً شفافاً يزن بالنظرة الواحدة قيم الأدب بنوعيه في ذلك العصر من شعر ونثر. وقد استجاب لفصول بوشكين زعماء الشباب من أدباء روسيا واجتذبت بعض أمراء البيت القيصري وفي مقدمتهم الأمير الأديب فيازيمسكي الذي نزل إلى ميدان النقد بقلمه - على نهج بوشكين - في مجلة (كارامزين) (١٨٠٨ - ١٨٧٨) - وانتظمت حركة النقد على صدى سانت بيف حين دخل عنصر الاحتراف في الصحافة الروسية وقطعت شوطاً كبيراً على يد الصحافي القدير بولفوي. الذي لفت إليه الأنظار بفصوله الضافية في نقد الأدب والحياة والتقاليد الروسية، وإن أغضب الفئة الرجعية التي لا تخلو منها أمة ما. . .

بيد أن هذه الحركة المباركة لم تبلغ أوجها إلا حين تسلمها فتاها الأكبر فخر أدباء روسيا بلنسكي، الذي وثب من وسط وضيع وأسرة فقيرة وتعليم ناقص مبتور، فاستطاع أن يتسم أسمى ذروة بين مواطنيه، وأن يرسم الخطط لما ينبغي أن يكون عليه الأدب والاجتماع في روسيا جميعاً. وكأننا به قد تسلم تراث أسلافه بوشكين ولرمونتوث وجوجول ليغربله ويسقط ما فيه من نفايات، كيما يخلق منه قادة الأدب العالمي الجديد: جوتشريف وهرزن ودستوئفسكي وتولستوي وشيخوف وجوركي. وبحسبك أن تعلم أن الأربعة الأول قد تتلمذوا على بلنسكي، ورضعوا لبانه ودرجوا في حجره، وثقفوا عنه فلسفة هجل وجيته، وطرائف شاكسبير وروائع الأدب الفرنسي، وآمنوا عن سبيله، بأن الفن للحياة، وليس الفن للفن.

ولشد ما كانت روسيا تشبه مصر اليوم من الوجهة الأدبية، فكان فيها معسكران كبيران ينزع أحدهما إلى التجديد والأخذ عن الغرب، وتسموا باسم (الثائرين) وكان على رأسهم بلنسكي يعاونه ويشد أزره الناقد المحاضر الكبير يوسف لوما يستر، ويساعدهما الأديب الثقة والناقد المحقق هرزن، أما المعسكر الآخر فهم فئة السلافيين وكانوا يتعصبون لروسيا القديمة تعصباً أعمى، وكان أدباؤهم ينقدون معسكر الثائرين نقداً كله شعوذة وكله رمي بالكفر المروق من الدين والوطنية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>