لقد كان كلاهما روحاً سابحة في عالم الخيال، ونفساً تضطرب بين أنواء الشك واليقين. بل كان كلاهما ثورة شعواء على العرف والعادات والتقاليد، ومن أشد الناس سخرية بالدين، وزراية بما اطمأن إليه الخلق من إثابة الصالحين.
لقد كان شلي ملحداً لا يؤمن بالوحدانية، ولا بالحساب، كما كان المعري يسخر من وعيد الآخرة والثواب؛ وهل لغير الشك أن يملي على المعري قوله
لو جاَء من أهل البلى مخبر ... سألت عن قوم وأرخت
هل فاز بالجنة عمالها؟؟ ... وهل ثوى في النار (نوبنخت)
أو قوله:
زعموا إنني سأرجع شرخاً ... كيف بي كيف بي وذاك التماسي
وأزور الجنان أحبر فيها ... بعد طول الهمود في الأرماس؟
أم هل كان شلي في كتابه الذي أرسله إلى (جون جسبورن) من بيزا عام ١٨٢٢، والذي جاءت فيه هذه العبارات الآتية
, ;
أي: (إنه لمن الخرافة ومحض السفسطة، أن نعتقد بأن الإنسان الذي يقضي ستين عاماً من الحياة المريرة سيذهب (بعد موته) ليقضي ستين مليوناً من السنين وهو يشتوى حياً بنيران جهنم المؤلمة) هل هذا إلا صورة عن المعري في قوله:
أموتٌ ثم حشر ثم نشر ... حديث خرافة يا أمَ عمرو؟
أو عن قوله:
خذ المرآة واستعرض نجوماً ... تمر بمطعم الأرى المشور
تدل على الحمام بغير شك ... ولكن لا تدل على النشور
وهل لغير روح أبي العلاء في قوله:
تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد له سبك
وقوله:
لو كان جسمك متروكاً بهيئته ... - بعد التلاف - طمعنا في تلافيه
أن تملي على شلي قصيدة الخالدة التي ينكر في بعض أبياتها لا نشور الأجسام فحسب، بل