(إن روح الإنسان تتلاشى داخل قلبه وهو في القبر كما يخبو نور مصباح طمر في باطن الأرض ضمن زجاجته. أما جوهر الخلود الذي ينير بسماتنا بشعاع الأمل، فانه يتبدد ويتشعث في عالم الأزلية: واللانهاية.)
ولم نذهب بعيداً في المقابلة والاستدلال ونظرة واحدة إلى رسالة شلي التي نشرها عام ١٨١١ تحت عنوان ضرورة الإلحاد فطرد من جامعة اكسفورد بسببها، ترينا بأنها ليست إلا نسخة عن (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري، لا تختلف عنها إلا في اللغة والأسلوب!
لقد أنكر كلاهما كثيراً من العقائد والمذاهب، فنالا من مرارة النقد ولاذع التقريع ما لم تكسر الأيام من حدته.
أضف إلى اشتراكهما في الرأي والعقيدة ائتلافهما في المزاج وفي نوع المعيشة الزاهدة الوادعة، وترفعهما عن إيذاء الغير وإسرافها في عمل البر. وكل ما يختلفان فيه - إن صح هذا الادعاء - هو أن المعري يعترف بالوحدانية وينكر البعث بينا شلي ينكر البعث والوحدانية.
شلي وبيرون
لا نكاد نمر بصفحة من حياة شلي إلا ويتردد فيها ذكر اللورد (بيرون) فقد كان رئده وصديقه، ومن الذين شهدوا إحراق جثته على خليج بيزا، فلا ندحة لنا عن أن نعرض لسيرتهما معاً ولو بشيء من الإيجاز.
لقد كان كلاهما من شعراء العصر الفكتوري المجيدين، ومن دعاة الحركة الابتداعية المبرزين، عاشا من الزمن فترة واحدة، إلا أنهما لم يجريا في حلبة واحدة من ميادين الشعر والأدب، فيعرف أي الاثنين محرز قصب السبق فيها؛ فبينا نرى شلي ينزع في قصائده، نزعة أبي العلاء المعري، ويسير وإياه على غرار واحد في الحكم والهوى، وفي التمرد على البيئة والتقاليد، نرى أن اللورد بيرون في قصائده يتفق مع أمرؤ القيس في أشعاره ولا سيما في معلقته الشهيرة.
فقد كان كل منهما في جميع ما يكتب إنما يعبر قبل كل شيء عن عواطفه الخاصة، ويسرد