حنقها. . . وأين هذا الداعي وهي واقفة وحدها في الشرفة تطل منها على الطريق؟ لا بد أن يكون الداعي شيئاً في رأسها أو في نفسها هو الذي يحملها على هذه اللفتة السريعة العنيفة التي لا مسوغ لها مما حولها، إذ كان لا شئ حولها إلا الهواء وإلا هالة هذا الحسن. . . وليتني أستطيع أن أنفذ إلى موضع التفكير أو الإحساس فأطلع على هذا الباعث الخفي! فليس أفتن ولا أسحر من حركات النفس فيما وراء الوعي. وأكبر الظن أنها هي لا تعرف ماذا يلفتها أحياناً على هذا النحو العنيف وإن كانت تحسب نفسها عارفة مدركة. ولو أنك قلت لها إن لفتتها هذه فيها عنف وسألتها عن علته لأنكرت ولكان الأرجح أن يسوءها منك ذلك
على أنى لا أحب أن يتوهم القارئ أن مشيتها عنيفة أو أن فيها ما يعاب - حاشا لله - وإن لها لخ طرة تجعل أهون حركة لها رقصاً. ومن النساء من تمشى بثدييها كأنما تدفعهما أمامها. ومنهن التي تتخلع وتتعوج وتتقصع - تكلفاً أو طباعاً - كأنما لا يمسكها شئ، أو التي تطول وتقصر في مشيتها والتي، تلوح بذراعيها فتزيدهما طولاً - إلى آخر ذلك إن كان له آخر - ولكن ذات الثوب الأرجواني حين تبرز لي في الشرفة صباحاً - على سبيل التحية - وهى لا تزال في منامتها، تنساب كالماء الرقراق، فليس خطوها خطواً وإنما هو تموج. وإني لأراها ماشية من هذا البعد فأذكر بيتاً لابن الرومي هو قوله في وصف صانع الرقاق:
ما بين رؤبتها في كفه كرة ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دائرة ... في لجة الماء يلقى فيه بالحجر
ولا رقاق هناك ولا حجر ولا ماء تنداح فيه الدوائر، ولست أذكر البيت لأن هذا وقت الصباح أي وقت الشعور بالجوع، وإنما أذكره لأني أحس - بعيني وبقلبي معاً - أن حركة المشي تبعث في جسمها اللين اضطراباً خفيفاً كاضطراب الماء حين يصافحه النسيم الوانى؛ ويخيل إلى أن جسمها كله - حين تخطو - تتعاقب على بشرته الرقيقة موجات في إثر موجات تطير العقل وتزدهف اللب. ولا أدري أهذا خيال أم هو الحقيقة، ولكن الذي أدريه أنه بعض ما للمرأة من سحر. فقد ترى رجلا قده أعدل من قد المرأة ولكن مشيته لا يكون فيها هذا التموج، ولا يمكن أن تحدث الحركة في جسمه - أو جلده - مثل هذا