يذكرنا بالمدرسة التوسكانية التي ظهرت آثارها في القرن التاسع عشر. ويخيل إليك وأنت تطالع الصور الفذة التي يرسمها في قصصه أنك تسير في شوارع فلورنسا. وتعد روايته (فيليا) من أحسن الروايات التي ظهرت بعد الحرب العظمى. فالروح الواقعية التي رسم بها المؤلف شخصية بطلته على أنها فتاة من عامة الشعب محبة لنفسها، مجردة عن الضمير، تجر إلى الهاوية جميع الذين يلتفون حولها، من أروع حالات التصوير الإحساسي والتغلغل في أعماق النفس البشرية.
أما بور جيزي مؤلف رواية (روبي) فهو من المؤلفين الذين توفروا على دراسة النظريات النفسانية الجديدة. وفي هذه الرواية ما يعطينا صورة واضحة من فنه، فهي تحليل دقيق لنفسية رجل أناني مجرد من العواطف الإنسانية، معذب بالشكوك والأوهام، ليس في مكنته مقاومة أعاصير الحياة، فيقذف بنفسه في التيار الذي يبعده شيئاً فشيئاً عن حقيقة الحياة إلى أن تدفعه المصادفة السيئة إلى الانتحار. (فروبي) كما يرسمه المؤلف رجل لا شباب فيه ولا عاطفة؛ وهو لا يعرف الأخلاق، وغير قادر على أن يحب حتى نفسه. وعلى الرغم من تراخيه وكسله يحلم بأن يصل إلى شئ، وأن الصفتين الأساسيتين في خلقه هما ضعف الإرادة ورغبته الدائمة في تحليل عواطفه؛ وهذا التحليل هو الذي يشل روح حركته، ويفقده توازنه، ويقلب في نظره المقاييس الصحيحة للحياة؛ فمرة يحاول أن ينسى نفسه في غمار الحرب ولكن دون حماسة، ومرة يتزوج من امرأة دون أن يشعر بميل إليها؛ وهو معتقد أنه تزوج زواجاً صالحا ً إنما هي المصادفة التي قادته إلى هذه المرأة وجعلته يقترن بها ثم يقتلها. ولكن الواقع أنه تركها تموت كمداً من سوء معاملته؛ وقد صور له الوهم انه قتلها مع أن الشجاعة لا تؤاتيه لقتل حشرة حقيرة.
أدب المستقبل
أسس هذه المدرسة بونتمبلي مؤلف رواية (امرأة أحلامي) وكان الغرض منها مقاومة التحليل المادي في القصة، ومناهضة أساليب المدرسة الإقليمية؛ ويمكن أن نعتبر عصرها عصر النفور من الزخرف اللفظي، وتنمية النزعة الخيالية، والتبشير بالأدب الرمزي. ويعد أمبرتوفراكيا من أدباء هذه المدرسة، وقد كانت وفاته في غضون عام ١٩٣٠ ضربة أليمة في نفوس الجيل الجديد، إذ كان دائم العطف على أدباء الشباب، باذلاً جهده في تنمية الملكة