وهناك خمس صحف أسبوعية، وجريدتان يوميتان، ومجلة أدبية لم يستطع صاحبها أن ينفخ فيها الحياة، فهي تحتضر منذ سنوات! وعدا ذلك فليس في تونس من يمثل تمثيلا مشرفاً أدب القصة والمسرح، وأدب الأطفال، والأدب القومي؛ وكذلك الناحية النقدية والعلمية في الأدب. وتاريخ تونس لما يكتبْ.
فصفة الكاتب عنيت بها ما يفهم من لفظها أجمالاً وإطلاقا، أما إذا عنينا بالكاتب رجلاً له نظريات خاصة، وأفكار فردية، يخصص حياته لنشرها والدفاع عنها حتى تنتصر، كلفه ذلك الدفاع ما كلفه، فهذا عزيز في الناحية الأدبية. فإذا قلنا مثلاً إن طه حسين كاتب، فليس معنى ذلك في مذهب العقل والتاريخ أنه يجيد رصف اُلجمل وتأليف الكتب، وإنما معناه أنه رجل يفرض فكرته على الناس فرضاً، ويكتب ما يراه حقاً وإن خالف ما رآه غيره، ولا يضيره أن يوجه قُراءه بغير ما ألفوا سماعه، ويصدمهم بآراء ليست هي آراءهم التي اقتنعوا بها؛ وبعبارة أشمل يرفعهم اليه، ويبعثهم على التفكير والتأمل واعدة النظر فيما ناموا عليه من المبادئ والحقائق؛ وما يزال بهم حتى يكوّن من أنصاره فكرته ومخالفيها مدرسة تنشر تعاليمها وتصادم تعاليم خصومها. فهذا هو الكاتب الذي يحي الأدب ويجدد الأدب، وبهذا وحده يكون الكاتب مثقف عقول، ومغذي عواطف، وقائد أفكار.
أما في تونس فالقارئ هو الذي يقود الكاتب. فعلى الصحفي أن يصلح ما يحب الرأي العام أن يصلح، ويجتنب ما يغضبه ويبهجه. وعلى الكاتب أن يكتب ما يريد قراؤه، وأن يتناول من المواضيع ما يسمحون له بتناوله؛ وحذارِ أن يكون له رأي خاص يخالف رأيهم - وإذا كتب في نقد الأدب القديم فالواجب أن تكون كتابته تقديساً لأصحاب ذلك الأدب، وكلمة الإلحاد وما اشتق منها ما تزال رائجة الاستعمال تُلصق بكل من يظهر نوعاً من الاستقلال الفكري في الأدب؛ وجمهور القراء لم يحسن إلى الآن التفريق بين ما هو أدبي وما هو دينى، فكلّ أديب يقول بالتجديد الأدبي فهو متهم في عقيدته. فكانت نتيجة هذه الحالة فقر أدبنا من الكتاب ومن كثير من فنون الكتابة.
معاهد الثقافة والمؤسسات
وأول مسؤول عن ركود الأدب في تونس هي معاهده الثقافية ومؤسساته الأدبية، فانتشار الأدب لا يكون إلا بكثرة القراء، وعلى قدر نصيبهم من المعرفة والفهم يكون إقبالهم على