تتبع الحركة الأدبية وتقويتها بشراء كتبها ومجلاتها. ونحن نريد أن ينتشر الأدب وتقرأ كتبه ونشراته، لأننا في حاجة إلى تقويم العقلية التونسية وتثقيف ذهن سائر الطبقات، وتصحيح المقاييس التي نقيس بها كل شأن من شؤون الحياة؛ وليس شيء كالأدب يحي ميت الهمم ويبعث خامل العزائم ويشذب شاذ الغرائز؛ وكل مدينة قامت في التاريخ كانت منبعثة من نهضة أدبية أو مصاحبة لها.
فما هو نصيب معاهدنا في هذا العمل وماذا نرجو منها؟ أما المدارس الابتدائية فلا رجاء في أبنائها لأن المعلومات العربية التي يخرجون بها من هاته المدارس لا تؤهلهم لقراءة الكتب الجدية ومطالعة الصحف الراقية، وهم حين يغادرون المدرسة يرجعون إلى أشغال آبائهم في القرى والبوادي، وليس لهم من الثقافة إلا ذلك النزر القليل الذي يمكنهم بعض التمكن من قراءة رسالة أو كتاب عامي سخيف من تلك الكتب المملوءة بالخرافات ولأوهام.
أما المعاهد الثانوية والعالية فهناك جامع الزيتونة الأعظم والمدرسة الصادقية والمدرسة العليا للآداب واللغة العربية. فأما جامع الزيتونة فهو حصن العربية الأشم، وهو بمثابة الأزهر بمصر، وخريجوه هم صفوة العلماء والحكام والقضاة والعدول، وهم من الطبقة الوحيدة ذات الثقافة العربية المحصنة؛ وأما المدرسة الصادقية ومدرسة اللغة والآداب العربية، فأن الدراسة تقع في هما باللسانين، وربما غلبت فيهما الثقافة الفرنسية على العربية خصوصاً من ناحية الترجمة والعلوم الرياضية، ومن هاتين المدرستين تخرج جلُّ كبار موظفي الإدارة الفرنسية ومترجميها، وعن طريقهما سافرت البعثات العلمية التي تتكون اليوم منها نخبة طيبة من الأطباء والمحامين والمهندسين، ولكن أطباءنا ومحامينا قلما يكتبون أو يؤلفون بالعربية. وكم كنا نود لو إن دكاترتنا كانوا كدكاترة مصر الذين قامت على سواعد أكثرهم نهضة مصر الأدبية والعلمية.
أما المؤسسات الأدبية فهناك الجمعية الخلدونية، وهي اقدم المؤسسات التونسية، ثم جمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية، وأخيراً جمعية الكتاب والمؤلفين - فأما الخلدونية وقدماء الصادقية فأغلب نشاطهما منصرفٌ إلى تنظيم المسامرات الأدبية والعلمية، وإقامة الحفلات لأحياء ذكرى نوابغ الأمة العربية في القديم والحديث؛ وأما جمعية المؤلفين والكتاب التونسيين فأنها افتتحت أعمالها بإقامة حفلة ذكرى الشاعر العبقري المرحوم أبى القاسم