الإسلامي ونواحي التفكير الإسلامية مستمدة من المراجع العربية؛ وهكذا بدأ تطور الروح الإسبانية في تقدير التراث الإسلامي، وظهر صوت الأندلس المسلمة لأول مرة في التواريخ العامة والخاصة.
على أن هذا التطور المحمود من التحامل والتعصب إلى جانب الروية والإنصاف لم يقف عند هذا الحد، ففي أوائل القرن التاسع عشر عمد المؤرخ يوسف كوندي أمين مكتبة أكاديمية مدريد إلى دراسة المراجع العربية في الأسكوريال دراسة مستفيضة ورأى أن يكتب تاريخ أسبانيا المسلمة بصورة جديدة هي الصورة التي تقدمها إلينا المراجع العربية، أو بعبارة أخرى رأى أن يكتب تاريخ الأندلس كما يعرضه تراثها العربي، وكانت نتيجة هذه الدراسة كتابه الشهير (تاريخ دولة العرب في أسبانيا) الذي صدر الجزء الأول منه سنة ١٨١٠؛ وتوفى كوندي في نفس العام، فنشر الجزءان الباقيان من مخطوطاته في العام التالي؛ وليس مؤلف كوندي قوياً من الناحية النقدية، لأن مؤلفه ينقل مختلف الروايات العربية دون تمحيص، ولأنه يقع في كثير من الأخطاء التاريخية التي ترجع في الغالب إلى عدم الدقة في النقل؛ ومع ذلك فانه يمتاز بالصراحة الجمة حتى أن كوندي يذهب في كثير من المواطن إلى إصدار أشد الأحكام على أمته ومواطنيه خصوصاً في الحوادث التي اقترنت بسقوط غرناطة، واضطهاد الأسبان للعرب ومطاردتهم وإرغامهم على التنصير، ثم إخراجهم بعد ذلك من أوطان آبائهم وأجدادهم في غمر من الفظائع والدماء؛ وأهمية مؤلف كوندي في أنه يعرض للغرب لأول مرة أقوال الرواية العربية مستمدة من مصادرها الأصيلة، ومنها تعرف وجهة النظر الأندلسية في كثير من الحوادث والشؤون.
وكان صدور مؤلف كوندي حادثاً فريداً في كتابة التاريخ الأسباني، وكان أول مؤلف من نوعه يسجل كلمة الأندلس في المرحلة التي قطعتها من تاريخ إسبانيا القومي. ويسجل في نفس الوقت بدء عهد جديد من حرية البحث والتقدير؛ ومن الغريب أن كتاب كوندي صدر في نفس الوقت الذي صدر فيه أثر تاريخي آخر كان لصدوره أعظم وقع في إسبانيا وفي أوربا، وهو كتاب الدون انتوينو لورنتي عن تاريخ محاكم التحقيق (التفتيش) الأسبانية، وعن نظمها وإجراءاتها الدموية، وفيه يورد مؤلفه طائفة عظيمة من الوثائق الرسمية التي